ادعمنا

التدخل الدولي - International Intervention

مفهوم الـــتّــــدخـــل الــــــدولــــــــيّ

يعكس التّدخل الدولي بشكلٍ عام علاقات القوة بين الدول، و يوضح من هم الفاعلين الدوليين على الساحة الدولية، فالدولة القوية، هي التي توظف إمكاناتها وتجعلها على أهبة الإستعداد في حال تعرضت أيّاً من مصالحها، أو مصالح حلفائها للخطر، كما تختلف دوافع هذه الدول فيما بينها لتحديد سبب اتخاذها لقرارها بتدخلها في شؤون دولة أخرى، فقد يكون تدخل دولة في شؤون دولة أخرى ناتجاً عن دوافع أمنية، أو أقتصادية، أو إنسانية، أو أيديولوجية، أو حتى لتحقيق المكانة الدولية.

وبذلك نستطيع القول أنه لولا امتلاك الدولة للقوة لما استطاعت أي دولة بالقيام بأي تدخل في شؤون الدول الأخرى ولا حتى التفكير به، حتى ولو تعرضت مصالحها، أو مصالح حلفائها للخطر.

اختلف الباحثون السياسيون، والقانونيون فيما بينهم في تقديم تعريف لمفهوم التّدخل الدوليّ بشكل عام، والتّدخل الانساني بشكل خاص، وكذا بالنسبة لتحديدهم للظروف التي يكون التّدخل فيها واجباً أو حقاً بحيث يفرض أو يُجيز لأي دولة بأن تتدخل في شؤون دولة اخرى.

 

تعريف التدخل الدولي

من الممكن أن نقول أنّه لايزال تعريف التدخل الدولي بإختلاف أسبابه؛ سياسية، أيديولوجية، إقتصادية، عسكرية، إنسانية ،من الأمور غير المتفق عليهـا، فقد وصفه البعض بالتّدخل المشروع  وطعن آخرون في شرعيته، كما ذهب فريق إلى التوسيع من نطاق التدخل الدولي بشكل عام بينمـا ذهـب البعض الآخر إلى التضييق من نطاقه.

و يُعِّرف "شارل روسو Charlie Russo " التدخل الدولي، بأنّه تدخل في الشؤون الداخلية، أو الخارجية لدولة أخرى بقصد تنفيذ، أو الحيلولة دون تنفيذ عمل أو خضوع معين، كما أن الدولة المُتَدَخِلة تتصرف عن طريق السلطة، وتسعى لفرض إرادتها بممارسة ضغوط مختلفة "إقتصادية، سياسية، نفسية، عسكرية، الخ.."، ترجع إلى ما ترغب به الدولة.

كما أورد محمد يعقوب عبد الرحمن تعاريفاً لبعض المفكرين السياسيين أبرزهم:

تعريف “جوزيف ناي Joseph Nay“ التدخل الدولي بمعناه الواسع، بأنّه تلك الممارسات الخارجية التي تؤثر في الشؤون الداخلية لدولة أُخرى ذات سيادة، أمّا التدخل بمعناه الضيق؛ فهو التدخل بالقوة العسكرية في الشؤون الداخلية لدولة أخرى، واستناداً إلى ذلك يتدرج مفهوم التدخل من حيث أشكال ممارسة النفوذ، من أقل صور القهر إلى أعلاها بحسب الشكل الآتي:

ويشتمل التعريف الواسع للتدخل على جميع أشكال التدخل، من الإجبار المنخفض إلى درجات الإجبار العالي، وتمثل درجة القوة المستخدمة في هذا التدخل أهمية خاصة، فعلى أساسها تتوقف درجة اختيار الدولة المتاحة، ومن ثم درجة التقليص الخارجي للحكم المحلي.

امّا تعريف التدخل بمعناه الضيق فيقتصر تنفيذه - حسب هذا الاتجاه - على استخدام القوة العسكرية، ويعتبر أنّ الوسائل غير العسـكرية كالضـغط السياسـي والإقتصـادي والدبلوماسي لا تؤتي ثمارها، خاصةً عندما تكون أمام مخاطر جديـة كالإبـادة الجماعيـة، والتطهير العرقي الذي يتطلب التحرك بشكل قوي وسريع يتم فيه اللجوء إلـى القـوة العسكرية، فالوسائل غير العسكرية تحتاج لوقت طويل لكي تحقـق أهـدافها الخاصـة.

واتفق “ماكس بيلوف Max Beloff” مع التعريف الواسع السابق الذكر، حيث عرّف التدخل "بأنه محاولة من طرف دولة واحدة التأثير في التركيبة الداخلية، والسلوك الخارجي لدولة أخرى، باستخدام درجات متباينة من القمع كنتيجة منطقية للطبيعة الفوضوية للـــنظام الـــدولي، ولذلك يتخذ التدخل أشكال الحرب النفسية، أو الحصار الاقتصادي، أو الضغوط السياسية، أو الدبلوماسية، أو الدعائية، ويكون التدخل العسكري المباشر الخيار الأخير لأنه ليس دائماً بالعمل الأكثر عقلانية."

وينظر جير “هاردفان جلان Gerhard Van Glahn“ إلى التدخل في ظل القانون الدولي بأنه عمل ديكتاتوري من جانب دولة ما في شؤون دولة أخرى، بغية الإبقاء على النظام السائد فيها أو تغييره، وقد يكون هذا التدخل مشروعاً أو غير مشروع، لكنه عندما يتعلق باستقلال الدولة المعنية أو أراضيها وسيادتها، فيكون هذا التدخل ممنوعاً بموجب القانون الدولي، لأن القانون وضع جزئياً – على الأقل – لحماية الشخصية الدولية لدول العالم.

ويتفق “لاس أوبنهايم Lassa Oppenheim” مع الرأي السابق على أنّ التدخل عمل ديكتاتوري لدولة ما، في شؤون دولة أخرى بغرض المحافظة على الوضع الفعلي للأمور، أو تغييره، وقد يكون التّدخل مبنياً على حق، أو على غير ذلك، لكنّه في كلتا الحالتين يتعلق باستقلال الدولة المتدخل في شؤونها وسيادتها.

وفي توضيح شرعية التدخل، والتفريق بين مفهوم التّدخل، ومفهوم العدوان فقد أوضح "أحمد أرسلان" الفرق بين التدخل والعدوان، معتمداً على معيار الشرعية، فمن الممكن وجود عمل ما يعد إتيانه خرقاً للقانون الدولي، بينما ينظر إليه من جانب آخر على أنه عمل مدَّعم بالشرعية السياسية، التي يتم بمقتضاها إسناد القيم والمصالح بوصفها تعبر عن مدى الإستجابة الضرورية لإحتياجات الجماعة الدولية من أجل استقرار النظام الدولي. ولذا يعد أي سلوك تمارسه دولة للسيطرة على دولة، أو دول أخرى بهدف تغيير النظم الداخلية، وإيجاد نظم جديدة من خلال قوة الدولة وأدواتها – بما يحمي مصلحتها الوطنية ويعززها – تدخلاً دولياً، وعلى هذا تكون الشرعية الدولية – بوصفها قبولاً عاماً دولياً لإجراءات معنية – هي التي تحدد متى تتحول حالات التدخل الدوليّّّ إلى حالات عدوان دولي.

بالمقابل اعتبر “حسن حنفي” مفهوم عدم التدخل من أهم مبادئ الاختصاص الإقليمي والمظهر الأساسي المعبر عن سيادة الدولة، والمرآة التي تعكس مدى هيمنتها على اختصاصها الإقليمي، ومن الممكن تبرير ذلك بعدم وجود رقيب على الدولة، فهي لا تخضع للرقابة في مجال محافظتها على استقلالها و إدارة مصالحها السياسية الخاصة، ومرافقها العامة، لأن هذه الأنشطة تؤول إلى اختصاصها الداخلي.

وكذلك بالنسبة "لمحمد فضة" حيث اعتبر أنّ التدخل "نشاط يتسم بنيّة عدوانية، ترمي إلى إحداث تعديل في شؤون الدولة المستهدفة، من خلال خلق حقائق جديدة تشمل تغيير الحكومة، أو حتى النظام السياسي وذلك يعدّ مخالفاً للعرف الدوليّ القائم على احترام سيادة. الدولة واستقلالها، ورغم تنوع أنشطة التدخل سواء كانت؛ إقتصادية، أو عسكرية، فإنها جميعاً تهدف إلى إجبار الدولة الصغرى ،والضعيفة على انتهاج سياسة تتناسب مع مصالح الدولة الكبرى والقوية".

من خلال التعاريف السابقة نجد؛ أن هناك اختلافاً بين الفقهاء في تعريف التدخل وتحديد مدى شرعيته فمنهم من ترك تحديد الشرعية للقبول العام، ومنهم من رفض شرعيتها وندد بها واعتبرها عملاً عدوانياً كونه يمس سيادة الدولة واستقلالها، كما فرّق البعض في موضوع التدخل بين تدخل ذا مفهوم واسع و آخر ضيق.

وبناءً على ذلك من الممكن أن نقدم تعريفاً شاملاً للتعاريف السابقة حول موضوع التدخل الدولي يشمل العناصر التالية: التدخل عمل إرادي ومنظم تقوم به وحدة سياسية دولية (دولة، منظمة دولية، أو مجموع ما ذكر) مستخدمة وسائل الإكراه السياسية بدءً من أبسط أشكال الحرب، كالحرب النفسية مروراً بالدبلوماسية، فالاقتصادية ونهايةً بالعسكرية، وقد يكون الغرض منها إحداث تغيير جزئي او كلي في تركيبة البنية السلطوية في هذه الدولة، أو تحويل مجرى نزاع داخلي في دولة ما لمصلحة السلطة الداخلية أو ضدها، أو إجبار سلطة تلك الدول على اتخاذ مواقف، أو الحيلولة دون اتخاذ مواقف تتعلق بشؤونها الداخلية أو بعض رعاياها…الخ بما يخدم مصالح الدول المتدخلة.

و من الممكن القول أنّ تعرض دولة ما لتدخل بشؤونها الداخلية أو الخارجية من قبل دولة أخرى بقصد إبقاء الأولى لأمر ما في نظامها الداخلي، أو الخارجي أو تغييره، يعد أحد مكامن الخطر لتفكك هذه الدولة، كونه يدل على عدم التجانس الإجتماعي والسياسي في الدولة، فإذا استعان الطرف الأول بحليف خارجي يجبر الطرف الثاني على الاستعانة بحليف خارجي له لتحقيق تكافؤ على الساحة الداخلية والخارجية، وبذلك قد يتحول مجرى النزاع داخل هذه الدولة من نزاع داخلي إلى نزاع إقليمي أو دولي، وفي الحد الأدنى يبقى نزاعاً داخلياً، ولكن بأبعاد خارجية، إقليمية أو دولية، وهو الشكل الأكثر انتشاراً من بين النزاعات والحروب الداخلية والأهلية تحديداً تلك التي على خلفية اثنية أو دينية.

المصادر والمراجع:

يوسف محمد صادق، الإرهاب والصراع الدولي.

محمد يعقوب عبد الرحمن، التدخل الإنساني في العلاقات الدولية، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتجية، الطبعة الأولى 2004.

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia