مقال أكاديمي محكم
الحمد لله رب العالمین والصلاة والسلام على نبینا محمد وعلى آله وصحبه أجمعین. وبعد فإن مما لاشک فیه أن الفقه السیاسی أو ما یسمى بفقه الأحکام السلطانیة قد حضیَ بنصیب وافر من اهتمام فقهاء المسلمین، فعلى الرغم مما قیل ویقال من أن فقهاء المسلمین قد أهملوا الجانب السیاسی فی حیاة الأمة، فإننا نجد تراثا فکریا ضخما شیده علماء المسلمین على اختلاف مذاهبهم. ومن بین الموضوعات التی أخذت حیزا کبیرا من اهتمامهم موضوع الحاکمیة فی الدولة الإسلامیة، فقد کان للرعیل الأول من الأئمة فی عصر الصحابة القدح المعلّى فی استنباط منظومة الأحکام الشرعیة الخاصة بدعائم النظام السیاسی الإسلامی، إذ کانت المحن التی مرت بها الدولة الإسلامیة بعد وفاة الرسول من أهم الأسباب التی دعتهم إلى مجابهة الفرق التی انشقت عن جماعة المسلمین، بالإنکار تارة والتحذیر والتذکیر تارة أخرى، وذلک بالتصدی للبدع التی أحدثت فی الدین نتیجة التأثر بما کان سائدا لدى الأقوام المجاورة للجزیرة العربیة، تلک المحن التی طالما حذر منها النبی محمد وأوصى أتباعه بالتمسک بسنته والعض علیها بالنواجذ عند اختلاف الناس وتفرقهم( ). ولیس بدعا القول أن اغلب الحرکات الدینیة التی ظهرت منذ تأسیس الدولة الإسلامیة کان لها آثارا سیاسیة کبیرة بل إن قسما من تلک الحرکات کانت تهدف بالأساس لإحداث تغییرات جوهریة فی النظام السیاسی الإسلامی، ولما کانت قاعدة الحاکمیة إحدى الأصول التی تبنى علیها العقیدة الإسلامیة کان التباین فی فهم هذه القاعدة وکیفیة التعامل معها بمثابة أسس بنیت علیها معظم الحرکات الدینیة ذات الصبغة السیاسیة فی الإسلام. ولعل أبحاثا کثیرة کتبت عن تلک الحرکات، إلا أن معظمها ـ على حد علمی ـ کان یدور حول أمرین اثنین، فما یکتب عن الحاکمیة فی أبحاث العقیدة الإسلامیة یرکز على معنى الحاکمیة وأهمیتها وأدلتها من الکتاب والسنة کونها من مستلزمات العقیدة الإسلامیة، بینما کان ما یکتب عن هذا الموضوع فی الدراسات التاریخیة یرکز على کشف تلک الحرکات وامتداداتها الزمانیة والمکانیة على نمط تسرد فیه الوقائع من دون تحلیل للبعد السیاسی للحاکمیة فی الإسلام، وهذا ما تبین لی من قراءة الکثیر مما کتب عن الحاکمیة فی الإسلام وخاصة الدراسات العصریة منها، فجل تلک الدراسات کان انعکاسا لما تعانیه الأمة الإسلامیة على امتدادها من دعاوى التغریب تحت مزاعم التجدید، حتى بات من العسیر أن نجد من المختصین بهذا الموضوع من یجاهر بملیء فیه ذابا عن الکتاب والسنة وما یتعرضان له من طعن وتحریف( ). فتارة یحاول البعض أن یسبغ على النظام السیاسی الإسلامی ثوب الثیوقراطیة بما تحمله من تراث فکری ممجوج فی الذاکرة الإنسانیة خلفته عهود من الطغیان والاستبداد، وتارة أخرى یحاول البعض أن یوجد تصالحا بین الإسلام وبعض القیم التی سادت بعد الثورة الفرنسیة فی أوربا لاسیما سلطان الأمة وسیادة الشعب وما تؤدی له هذه القیم من ممارسات دیمقراطیة تنطوی على مخالفات شرعیة متعددة، ولما کنت قد استعرضت فی دراسة سابقة مکملة لهذه الدراسة نظریة السیادة فی الفکر السیاسی الوضعی شرعت لإکمال الموضوع فی بحث البعد السیاسی للحاکمیة فی الإسلام راجیا من الله أن یأخذ بیدی ویسددنی للصواب، منبها إلى أن الترجیحات التی سأمیل لها فی البحث هی محض ما تراءى لی من الصحة استنادا إلى ما یثبت عندی من الأدلة من الکتاب والسنة ساعیا إلى أن یکون فهم هذه الأدلة على النحو الذی فهمت به القرون الثلاثة الأُوَل من ظهور الإسلام، ذلک أن هذه القرون قد خُصت بالخیریة على غیرها من القرون( ). وعلى ذلک فإن من نافلة القول أن الباحث ینوء لوحده فی تحمل تبعة مجانبة الصواب فی الترجیح والنقد والتحلیل، وستکون الدراسة مقسمة إلى ثلاثة مباحث أساسیة، سیکون الأول منها مخصصا للتعریف بالحاکمیة، فیما سیخصص الثانی لتحدید أساس شرعیة السلطة فی النظام السیاسی الإسلامی ، أما الثالث فسیخصص لدراسة الحاکمیة فی مواجهة السلطة.
الكلمات المفتاحية: البعد السياسي، شرعية السلطة، الدستور، الدستور في الإسلامابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ
ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.
اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.