ادعمنا

تنازع القوانين - Conflict of Laws

"تنازع القوانين" أو ما يسمى تعارض القوانين، هو ذلك الجزء من قانون كل ولاية أو دولة، عند حصول نزاع بين دولتين على حكم مشوب بعنصر أجنبي في علاقة قانونية خاصة تتصل في عنصر أو أكثر من عناصرها بتلك القوانين المتنازعة، فتقوم الدولة أو الولاية بتحديد ما إذا كان سيتم تطبيق قانونها أو قانون بعض الأنظمة القضائية الأخرى عند التعامل مع وضع قانوني معين."

تعتبر علاقات الأفراد هي محور تنازع القوانين، ونقصد بذلك العلاقات التي يحكمها القانون الخاص أصلًا، كالقانون التجاري أو المدني، أو قانون العمل أو الأحوال الشخصية... إلخ، أي العلاقات التي تقوم بين أشخاص القانون الخاص سواء أكانوا أشخاصًا طبيعيين أو اعتباريين،كما أن دخول الصفة الأجنبية في العلاقة يفترض معه بالضرورة اعتراف النظام القانون الوطني بالشخصية القانونية للأجنبي اللازمة لدخوله في علاقات قانونية على قدم المساواة مع الوطنيين ومنحه بعض الحقوق الخاصة التي لا تستقيم حياته من دونها، وهذا الأمر يفسر غياب مشكلة تنازع القوانين في الدول والمجتمعات التي كانت تنكر على الأجنبي حق التمتع بهذه الحقوق.

يذكر أن دخول العنصر الأجنبي على علاقات الأفراد هو الذي يخرجها من نطاق القانون الداخلي ليدخلها في نطاق القانون الدولي الخاص، ويخضعها بالتالي لقواعد تنازع القوانين التي تتولى تحديد القانون الواجب تطبيقه بشأنها وتشكل جزءًا من قواعد القانون الدولي الخاص، التي يضعها المشْرع الوطني في كل دولة وفق اعتباراتها الوطنية، وهذه العلاقات لم تكن لتتشكل لولا الاعتراف للأجنبي بالحقوق اللازمة لوجوده.

أما العلاقات التي لم تتطرق إليها الصفة الأجنبية فتبقى خاضعة لأحكام القانون الوطني؛ حيث القاضي الناظر في منازعات الأفراد.

 

نظرة على تاريخ تنازع القوانين: 

"لم تظهر قواعد التنازع مرة واحدة وبصورة فجائية هكذا، بل ظهرت بصورة تدريجية، تحت ضغط تزايد العلائق القانونية الخاصة المشوبة بعنصر أجنبي وانتشارها". 

" حيث غابت حلول التنازع في المجتمعات القديمة، التي سادت فيها العلاقات الحربية على العلاقات السلمية، فلم تعرف تلك المجتمعات مظاهر مشكلة تنازع القوانين، مثل المجتمع الإغريقي والروماني، وإن كانت الدراسات التاريخية قد سجلت بعض ملامح لهذه المشكلة ولكن دون أن تقدم لنا نظامًا متكاملًا وموحدًا لهذه الحلول، كما سجلت _هذه الدراسات_ غياب ظاهرة التنازع في ظل نظام الممالك الجرمانية، الذي ساد فيه نظام شخصية القوانين، القاضي بخضوع الفرد لقانون الجماعة التي ينتمي إليها بأصله، كما غابت في ظل نظام الإقطاع الذي كان قائمًا على مبدأ الإقليمية المطلقة.

لم تُطرح مشكلة تنازع القوانين بثقلها إلا بعد توفر المناخ السياسي والقانوني والاقتصادي والعلمي لقيامها، الذي ساعد على تطور العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسة وتطور مواقف الدول من الأجانب، وكان ذلك في شمال إيطاليا بمطلع القرن الثالث عشر للميلاد، وهذا ما قاد فقهاء إيطاليا من أساتذة كليات الحقوق بمختلف المدن الإيطالية إلى وضع الفتاوى والحلول القانونية لمعالجة المشكلات المتعلقة بتنازع أحوال المدن الإيطالية المتعددة والمختلفة، أي تنازع القواعد المطبقة لديها المتعلقة بعلاقات الأفراد العائلية والاجتماعية والتجارية، ولقد شكلت هذه الفتاوى والاجتهادات الفقهية ما يسمى بنظرية الأحوال الإيطالية القديمة، ومن أشهر هؤلاء الفقهاء الإيطاليين الفقيه بارتول.

كما شكّلت الحلول التي وضعها الفقهاء الفرنسيون لمشكلة تنازع الأحوال في المقاطعات الفرنسية المختلفة بالقرن السادس عشر، ما يسمى بنظرية الأحوال الفرنسية التي من أشهر فقهائها شارل ديمولان وبرتران دار جنتريه.

وكذلك كان الأمر في هولندا والبلاد المنخفضة التي عرفت نظرية خاصة بها، في تنازع الأحوال الهولندية بالقرنين الثامن عشر والتاسع عشر، سميت نظرية الأحوال الهولندية، ومن أبرز مفكريها الفقيه هوبر. "

 

شروط قيام تنازع القوانين:

ولقيام تنازع القوانين يجب توافر عدة شروط:

 أولا: وجود عنصر أجنبي في العلاقة القانونية:

لقيام تنازع القوانين لابد من وجود عنصر أجنبي يشوب العلاقة القانونية نتيجة اختلاف جنسية أطرافها أو محل انعقادها أو مكان وجود المال وتزاحم وتنازع قوانين أكثر من دولة واحدة على حكمها؛ إذ ترى كل دولة من الدول التي تتصل بها هذه العلاقة أن لها مصلحة في تطبيق قانونها عليها كالزواج الذي يتم بين جزائري وألمانية في فرنسا؛ فإذا حصل نزاع نتيجة هذه العلاقة القانونية المشوبة بعنصر أجنبي، والمتمثل في اختلاف جنسية أطرافها ومكان انعقادها يكون القانون الجزائري والقانون الألماني والقانون الفرنسي في تنازع لحكم هذا النزاع، والعنصر الأجنبي قد يتعلق بأشخاص العلاقة أو بموضوعها أو بسببها، فلا يمكن أن تنشأ ظاهرة تنازع القوانين إذا كانت عناصر العلاقة القانونية مركزة كلها في إقليم الدولة، ودون وجود حركة دولية للأشخاص، حيث إنه إذا لم يكن عنصر أجنبي فالقانون المطبق واضح، لأن العلاقة القانونية في هذه الحالة وطنية وسوف يتم تطبيق القانون الوطني للدولة ولا يمكن أن تشاب العلاقة بعنصر أجنبي إلا إذا كان انتماء عناصرها لدول متعددة، وهذا لا يتم إلا إذا قبِل مبدأ التبادل الدولي في مختلف الميادين الحقوقية والثقافية وباقي النواحي الاجتماعية، فكلما زاد الاتصال بين الدول زادت الحالات التي يظهر فيها تنازع القوانين، وعليه لقيام التنازع بين القوانين يشترط التبادل ليظهر في العلاقة القانونية عنصر أجنبي من أحد عناصرها. 

ثانيا: أن تكون القوانين المتنازعة قوانين خاصة:

ويعني هذا استبعاد التنازع الحاصل بين القوانين الداخلية للأنظمة المركبة سواء كان التعدد طائفيًّا أو إقليميًّا، والتنازع الحاصل بسبب ضم الإقليم والتنازع في مجالات القانون العام، لأن القوانين العامة إقليمية التطبيق دائما. 

وعليه ينبغي أن يكون التنازع الدولي للقوانين بين فئة القوانين الخاصة مثل: القانون المدني، والقانون التجاري، وقانون الأحوال الشخصية، فلا يقبل التنازع بين القوانين العامة كونها مرتبطة أصلا ومباشرة بالمصلحة العامة وبسيادة الدولة التي أصدرتها مثل: القانون الجنائي، القانون المالي، القانون الإداري، القانون الدستورية، بل تثير فقط مسألة تحديد القانون من حيث المكان، كما أن القانون الدولي الخاص لا يهتم إلا بالحياة القانونية الخاصة الدولية للأفراد، على أساس أن الهدف الأساسي والمباشر للقوانين الخاصة حماية حقوقهم، وإن كان في تحقيق هذه المصالح الخاصة مصلحة عامة بصورة غير مباشرة، عكس القوانين العامة التي تهدف في الأصل إلى تحقيق المصلحة العامة للمجتمع. 

ثالثا: أن يتسامح المشْرع الوطني ويقبل تطبيق قانون دولة أخرى على العلاقة المشوبة بعنصر أجنبي:

حيث يشترط في مجال تنازع القوانين أن يسمح المشرع الوطني بامتداد القانون الأجنبي في إقليم دولته، لأن اعتماد مبدأ إقليمية القانون بشكل مطلق ينفي منهجيا اللجوء لنظام التنازع، وهذا يجد تبريره في متطلبات التجارة الدولية والتعاون بين الدول فلو لم يسمح المشرع الوطني بتطبيق قانون دولة أخرى يكون قانون القاضي هو الواجب التطبيق لعدم قبوله منازعة أي قانون أجنبي في حكم العلاقة القانونية، فالسماح بتطبيق قانون أجنبي هو نقطة البداية في تنازع القوانين، كون الدول لا تجعل لقانونها اختصاصًا مطلقًا، فسلطان القانون محدد بحدود سيادة الدولة، ولا يمكن أن ينفذ القانون الأجنبي إلا بإذن المشرع الوطني، لذلك وجب أن يكون هناك نوع من التسامح داخل كل دولة يسمح لقانونها القاضي بتطبيق قانون غیر قانونه، لأنه إذا تمسك كل مشْرِع بالإقليمية المطلقة أو الشخصية المطلقة في تطبيق القانون الوطني لن يحصل عندئذ أي تنازع للقوانين ومن ثَمَّ فلا حاجة معه لإعمال قواعد التنازع، ويكون بذلك قانون القاضي هو الواجب التطبيق لعدم قبوله مزاحمة أي قانون أجنبي في حكم العلاقات القانونية المشوبة بعنصر أجنبي.

رابعا: وجود اختلاف بين القوانين المتنازعة:

لا تتفق جميع قوانين الدول التي تتزاحم لحكم العلاقة الخاصة الدولية في الحكم، بل وجب أن تكون متعارضة في مضمونها؛ إذ تختلف قواعدها الموضوعية، وعليه متى تشابهت قوانين الدول التي تتصل بها عناصر العلاقة القانونية واختيار أحدها عن غيره، سيكون الحكم ذاته سواء أعطي الاختصاص إلى قانون دولة ما أو إلى قانون دولة أخرى، وما دام الحكم واحد فليس هناك من جدوى ولا مصلحة من قيام التنازع، لذلك ولقيام تنازع القوانين لا بد من اختلاف الأحكام في القوانين المتنازعة، ولكن الاختلاف ينبغي ألا يبلغ حد التعارض التام في الأسس الجوهرية التي تقوم عليها أنظمة القوانين المتعارضة وإلا سيتم استبعاد تطبيق القانون الأجنبي الذي تتعارض أحكامه مع أحكام قانون القاضي تعارضًا جوهريًّا بالاستناد إلى فكرة النظام العام"

 

حل مشكلة تنازع القوانين:

يقوم الأسلوب المتبع حاليًا لحل مشكلة تنازع القوانين في معظم النظم القانونية الوطنية على وضع قواعد تسمى قواعد الإسناد؛ وهي قواعد قانونية يضعها المشْرِع عادة لتحديد القانون الواجب تطبيقه على فئة محددة من علاقات الأفراد القانونية، أو قواعد تنازع القوانين التي تتولى تحديد القانون الواجب تطبيقه على مختلف علاقات الأفراد المتضمنة عنصرًا أجنبيَّا.

ويقوم نظام قواعد الإسناد على تقسيم هذه العلاقات إلى مجموعات أو فئات مختلفة ومتعددة وتخصيص كل فئة منها بقانون محدد يحكمها، بحيث تضم كل فئة مجموعة من العلاقات التي تجمعها وحدة النسيج الحقوقي، لأنه من الصعوبات بمكان حصر علاقات الأفراد بأنواعها المختلفة وتخصيص كل واحدة منها بقانون محدد، لهذا أبدع الفكر القانوني فكرة الفئات أو المجموعات القانونية التي يمكن أن تضم مختلف علاقات الأفراد.

يأخذ بعض الفقه على قواعد الإسناد أو على الأسلوب التنازعي في حل مشكلة تنازع القوانين أنه يؤدي إلى تعميق النزعة الوطنية للقانون الدولي الخاص، كما يؤخذ على هذا الأسلوب إخفاقه في حل مشكلة تنازع القوانين السلبية أي المشكلة الناجمة عن رفض القانون الأجنبي، الذي أشارت بتطبيقه قاعدة الإسناد الوطنية، اختصاصه في موضوع النزاع، وذلك بموجب قواعد الإسناد لديه، مما يعرض العلاقة موضع النزاع إلى بقائها دون قانون يحكمها، يضاف إلى ذلك إخفاقه في معالجة التنازع الإيجابي، أي عندما تتعدد القوانين التي تَقرّ لنفسها، بموجب قواعد الإسناد لديها، الاختصاص بموضوع النزاع.

ولهذا ينادى هؤلاء بضرورة التخلي عن قواعد الإسناد ووضع قواعد مادية (موضوعية)، تطبق على مختلف علاقات الأفراد ذات الطابع الدولي، وهذه القواعد غير القواعد التي تطبق على العلاقات الوطنية؛ بحيث يكون للزواج بين الوطنيين نظامه وللزواج بين الوطنيين والأجانب أو بين الأجانب نظامه المختلف، ويكون للتجارة الداخلية قواعدها الخاصة وللتجارة الدولية قواعد مختلفة.

 

 

المصادر والمراجع:

د.فؤاد أديب، تنازع القوانين في القانون الدولي الخاص، كلية الحقوق جامعة دمشق.

د.حسن الهداوي، القانون الدولي الخاص تنازع القوانين، كلية الحقوق جامعة مؤتة، مكتبة الثقافة للنشر والتوزيع 1997.

موسوعة كولومبيا الإلكترونية، الطبعة السادسة. حقوق النشر © 2012 ، مطبعة جامعة كولومبيا.

 

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia