مؤتمر فيينا 1814-1815 - The Congress of Vienna 1814-1815

شهدت أوروبا لأكثر من عقدين اضطرابات وحروب في أعقاب الثورة الفرنسية، إضافة إلى اجتياح الجيوش الفرنسية للأراضي الأوروبية مما أدى إلى تغير خريطة أوروبا السياسية. وبعد انتهاء الحرب وانتصار الدول الكبرى الحلفاء (على فرنسا)، كان لابد من اجتماع الدول المنتصرة في فيينا لعقد مؤتمر من أجل رسم خريطة أوروبا السياسية من جديد وإعادتها لأوضاعها السابقة. من هنا يحاول هذا المقال تسليط الضوء على مؤتمر فيينا وأهم ما تضمنه.

أ- نبذة عن المؤتمر:

مؤتمر فيينا هو مؤتمر انعقد بين 13 سبتمبر/أيلول 1814 و9 يونيو/حزيران 1815، جمع الدول التي وقّعت على معاهدة باريس الأولى وهي: بريطانيا، روسيا، النمسا، بروسيا، إضافة إلى انضمام فرنسا.وقد اجتمعت هذه الدول من أجل إعادة ترتيب أوضاع القارة الأوروبية خاصة بعد الثورة الفرنسية والحروب النابليونية، فتمَّ اختيار العاصمة فيينا مقراً للمؤتمر بسبب التضحيات التي تكبدتها النمسا منذ قيام الثورة الفرنسية وتعويضاً عما ألحقه نابليون بها من هزائم متلاحقة تسببت بفقدانها لنفوذها السياسي في إيطاليا وألمانيا، إضافة إلى كونها عاصمة لإحدى الدول الكبرى في أوروبا وتميزها بموقعها المتوسط بين دول أوروبا.

ب- ظروف نشأة وانعقاد المؤتمر:

بعد هزيمة فرنسا وانسحاب نابليون إلى جزيرة "إلبا" في 31 مارس/آذار 1814 اجتمعت الدول المنتصرة (بروسيا،روسيا،بريطانيا،النمسا) والدولة المنهزمة (فرنسا) وأبرموا معاهدة صلح، في 30 ماي/أيّار 1814 وهي معاهدة باريس الأولى. وتنص المادة 32 من المعاهدة على الاجتماع وعقد مؤتمر عام في فيينا لاستكمال أحكام معاهدة باريس الأولى وتسوية النصوص التي تضمنتها إضافة إلى حل مشاكل القارة الأوروبية. وقد سعى الحلفاء إلى حرمان فرنسا حقها في وضع التسوية من خلال إضافة مادة سرية تنص على احتكارهم وحدهم الحق في وضع قواعد ومبادئ تسوية الصلح النهائية.

رغم العزلة التي فرضت على فرنسا في المؤتمر إلا أنه تمّ اشراكها في أعمال المؤتمر في نهاية المطاف، وذلك بسبب براعة وزير خارجيتها (تاليران - Charles-Maurice de Talleyrand-Périgord) ودهائه ومهارته السياسية حيث نجح في اقناع الدول على الموافقة بانضمام فرنسا إلى "لجنة الأربعة" لتصبح "لجنة خماسية". وقد شكّلت هذه اللجنة مؤتمر فيينا، حيث استأثرت وحدها ببحث ومناقشة المشكلات المسائل الهامة كما انفردت باتخاذ القرارات الحاسمة.

ج - أهداف ومبادئ المؤتمر:

1- أهداف المؤتمر:

وضع المؤتمرون في فيينا نصب أعينهم تحقيق مجموعة من الأهداف هي:

- إحاطة فرنسا بسياج من المناطق العازلة (مجموعة دول قوية) تمنعها من الاعتداء على غيرها ومنع انتشار المبادئ الثورية منها إلى باقي أنحاء أوروبا.

- إعادة رسم وتخطيط الخريطة السياسية لأوروبا على أساس مبدأ الشرعية القديم ومحاربة مبدأ القوميات والحفاظ على نظام توازن القوى القائم.

- ضمان السلام الدائم لأوروبا.

2- مبادئ المؤتمر:

قام المؤتمر على ركيزتين أساسيتين لتحقيق الأهداف وهي:

- إعادة الشرعية: إعادة الأنظمة القديمة السائدة قبل الثورة الفرنسية.

- مبدأ توازن القوى أو التعويضات: تعويض بعض الدول عن شيء من المناطق التي فقدتها خلال حروب نابليون.

إضافة إلى هذين المبدأين فقد أقرّ المؤتمر مبادئ أخرى منها:

- مبدأ الحياد الدائم لبعض الدول.

- تنظيم العلاقات الدبلوماسية بين الدول ووضع قواعد لذلك التنظيم.

د- قرارات ونتائج المؤتمر:

تمّ إعلان قرارات مؤتمر فيينا وتوقيع وثيقته النهائية في 9 يونيو/حزيران 1814، وقد وقعّت عليه كل من بروسيا ،النمسا، بريطانيا، روسيا،فرنسا ( أعضاء اللجنة الخماسية) بالإضافة إلى انضمام كل من البرتغال، السويد، إسبانيا في التوقيع على وثيقة المؤتمر، وقد تضمنت الوثيقة مجموعة من القرارات منها:

- اتخاذ الحلفاء مجموعة من التدابير والإجراءات لإحاطة فرنسا بدول قوية وذلك من خلال منح بلجيكا لهولندا.

- تعويض النمسا عن خسارة هولندا بالتنازل عن لومباردي وفينيسيا في إيطاليا، إضافة إلى استعادة ميلانو.

- توسيع بروسيا بشكل كبير عن طريق إضافة مجموعة من المناطق إليها هي: مُنحت بوميرانا من طرف السويد، ضم خمسي ساكسونيا، الاحتفاظ ببوزين والممر في بولندا، استعادة مقاطعات الراين وكولونيا وتريفيس ومقاطعات أخرى.

- تعويض السويد عن خسارة فنلندا بضم النرويج التي تم سلبها من الدانمارك.

- حصول بريطانيا على أراضي مقاطعة الهانوفر الألمانية، كما تم منحها مستعمرة رأس الرجاء الصالح وجزيرة سيلان في آسيا بالإضافة إلى جزيرة توباغو وسانت لوسيا وموريس وهي كلها مستعمرات فرنسية سابقة.

- إعادة ملوك إسبانيا ونابولي.

- الغاء تجارة الرق والاتفاق على طريقة لاستغلال الأنهار الدولية.

- استعادة الدول البابوية (Papal States) .

و- تقييم المؤتمر:

حقّق المؤتمر مجموعة من الإنجازات كما وُجِّهت إليه مجموعة من الانتقادات نوجزها في ما يلي:

1- إنجازات المؤتمر:

- يعتبر مؤتمر فيينا البذرة الأولى للوحدة الأوروبية، فقد سُمِّيت الفترة الممتدة من 1815 إلى 1830 في التاريخ الأوروبي بعهد المؤتمرات وكان ذلك من أجل تحقيق السلام في أوروبا وحفظه.

- نجح المؤتمر في إيجاد حل سياسي للمشكلة البولندية التي دامت طيلة القرن الثامن عشر مثاراً للخلافات والحروب بين بروسيا وروسيا والنمسا.

- كانت تجربة مؤتمر فيينا تمهيدًا لظهور عصبة الأمم سنة 1919.

2- إخفاقات المؤتمر:

وجّه المؤرخون عدة انتقادات للمؤتمر واعتبروا قراراته في مجملها مخيبة لآمال وطموحات الشعوب، وفيما يلي أهم هذه الانتقادات:

- عدم مشاركة الدول الصغرى في وضع تسوية فيينا وانفراد الدول الكبرى بقرارات المؤتمر.

- تجاهل أعضاء المؤتمر مطالب الشعوب ولم يهتموا بإقرار مبدأ تقرير المصير، بل سعوا إلى إعادة الأمور إلى ما كانت عليه في أوروبا من خلال تمسكهم بالنظم الأوتوقراطية وإلغائهم للنظم الدستورية.

- كان هدف المؤتمر في المقام الأول تحقيق أطماع الدول الكبرى، واقتصرت مشاركة الدول الصغرى على الحضور الشكلي.

مما ذكر سابقاً يمكن القول إنه بغض النظر عن إنجازات المؤتمر وإخفاقاته فإنه يعتبر من بين أهم المؤتمرات في تاريخ أوروبا، حيث إنه عمل على تنظيم شؤون أوروبا بعد فترة من الحروب المستمرة منذ الثورة الفرنسية وخلال حكم نابليون. كما يمثّل المؤتمر بداية لمرحلة جديدة في مسار العلاقات الدولية والقانون الدولي، وقد اعتبره المؤرخون البذرة الأولى للاتحاد الأوروبي .