ادعمنا

معاهدة وستفاليا 1648 - Treaty of Westphalia 1648

مرّ التاريخ السياسي والعلاقات الدولية بمراحل عديدة أدّت إلى تشكيل النظام الدولي الحالي، فقد لعبت العوامل الاقتصادية والجغرافية والعسكرية دوراً مهمّاً في صعود بعض الدول وانهيار أخرى،وقد أثّرت الحروب أيضا على الأوضاع الداخلية والخارجية ما حتّم على الدول عقد معاهدات لتنظيم العلاقات بينها، وكانت معاهدة (صلح) وستفاليا 1648 أولى هذه المعاهدات التي عملت على تحقيق السلام والتوازن في أوروبا.  وعليه سيحاول هذا المقال تسليط الضوء على هذه المعاهدة لفهم ظروف انعقادها وأهم بنودها والنتائج التي تمخضت عنها.

 

أ- نبذة عن معاهدة وستفاليا:

معاهدة وستفاليا تعرف أيضا بمعاهدة مونستر  Treaty of Munster أو معاهدة أوسنابروك Treaty of Osnabruck،تمّ توقيعها في 24 أكتوبر  1648 في مونستر واستفاليا ( ألمانيا) ، وقد أنهى هذا الصلح حرب الثلاثين عاما (1618-1648)، والحرب التي بدأت بالثورة ضد هابسبورغ في بوهيميا عام 1618 والتي نتجت عن صراعات مختلفة حول دستور الإمبراطورية الرومانية ونظام الدولة في أوروبا . انتهت المعاهدة بتوقيع اتفاقيتين: الأولى وُقّعت في مونستر بين الامبراطور الروماني وملك فرنسا، والثانية في أوسنابروك بين الامبراطور وملك السويد. وقد شارك في صلح وستفاليا مجموعة من الأطراف: الإمبراطورية الرومانية المقدّسة (الإمبراطور الروماني فرديناند الثالث)، مملكة إسبانيا، فرنسا، الإمبراطورية السويدية، ملوك الإمبراطورية الحرّة في معاهدة وستفاليا. كان الهدف من هذه المعاهدة تسوية النزاعات بشكل عام والنزاعات الدينية بشكل خاص، وقد تعهد ملوك السويد وفرنسا بضمان شروط هذه المعاهدة.

 

ب- الظروف الممهّدة للمعاهدة:

عرف القرن السابع عشر عدة مشاكل ناتجة عن المنافسة الشديدة بين الدول الأوروبية،إضافة إلى عمليات التضييق على أتباع المذهب البروتستانتي وإجبارهم على اتباع المذهب الكاثوليكي، خاصة في عهد القيصر فرديناند الثاني Ferdinand 2، الأمر الذي أدى إلى اندلاع الانتفاضة البوهيمية في براغ التي تسببت بدورها في اشتعال شرارة حرب دينية أصبحت فيما بعد ذات ملامح سياسية شاركت فيها كل من اسبانيا، النمسا، السويد، الدانمارك، إلى جانب الدويلات الألمانية المختلفة.عرفت هذه الحرب بحرب الثلاثين عاماً (1618-1648). 

أنهكت الحرب أوروبا ودمّرت مناطق واسعة أوّلها الأراضي الألمانية التي كانت المسرح الأساسي للمعارك الطاحنة خلال هذه الحرب، وتسببت بخسائر بشرية كبيرة.وبعد مفاوضات طويلة ودعوات للصلح والسلام انتهت الحرب بعقد صلح في مدينة واستفاليا بألمانيا لإنهاء المرحلة الدموية في أوروبا.

 

ج- أسباب ودوافع عقد المعاهدة:

شكّلت مجموعة من الأسباب - إضافة إلى الأوضاع المتدهورة التي خلّفتها الحرب - المحرك الأساسي الذي دفع الأطراف المتصارعة للاتفاق، تمثلت هذه الأسباب فيما يلي:

- التغيير الديموغرافي الناتج عن الحرب ما أدى إلى الهجرة الجماعية بسبب الصراع الديني الذي زاد من حدّة الطائفية والمذهبية بين الدويلات الألمانية.

- تفشي المجاعة بشكل متزايد ومخيف في المدن والقرى الألمانية الأمر الذي أدى إلى تذمر كبير في أوساط الأهالي.

- ارتفاع الأصوات وظهور العديد من الآراء التي تدعو إلى تبني أعراف جديدة في التعامل مع مختلف الأحداث أو الحروب، إضافة إلى اعتماد مبدأ التحاور والدبلوماسية السياسية الذي أخذ بالظهور التدريجي في هذه الفترة، الأمر الذي ساعد على الدفع نحو تحقيق السلام والصلح.

- الانتصارات الكبيرة التي بدأت تحققها كل من الجيوش السويدية والفرنسية وحلفاؤها، التي بدأت تهدّد العاصمة فيينا نفسها.

- قيام حركات التمرد في اسبانيا بسبب الحرب وما خلّفته من أضرار وخسائر هائلة.

- ضعف نظام ريشيليو - Armand  Jean deRichelieu في فرنسا وتعرضه إلى الكثير من المشاكل الداخلية بسبب طول مدّة الحرب.

 

د- بنود المعاهدة:

بعد توقيع الممثلين عن أطراف النزاع لمعاهدة وستفاليا تم الاتفاق على مجموعة من النقاط التي شكّلت بنود المعاهدة الناتجة عن عدة مناقشات وحوارات استمرت لفترة طويلة حاول خلالها كل طرف مفاوض تحقيق مكاسب وفوائد على حساب الأطراف الأخرى. تتمثل تلك البنود فيما يلي:

- إقرار المذهب البروتستانتي كعقيدة معترف بها إلى جانب الكاثوليكية، الأمر الذي أنهى الصراع الديني ولو تدريجياً.

- الاعتراف بالمذهب الكلفيني وتمتع اللوثرينوكلفنيين على حد سواء بالحرية الدينية، والتأكيد على شروط أجزبرج لعام 1555.

- استرداد رجال الدين البروتستانت ما تم انتزاعه منهم من أملاك قبل عام 1624.

- ترك الحرية للأتباع والرعايا لاختيار المذهب والدين الذي يريدونه دون فرض أي مذهب أو دين عليهم.

- الإعلان رسمياً عن استقلال هولندا وسويسرا.

- احتفاظ فرنسا بكل من (متز_ تول _ فردان) إضافة إلى معظم أراضي الألزاس باستثناء مدينة ستراسبورج.

- السماح للأمراء الألمان بعقد تحالفات فيما بينهم أو مع بقية الدول وتكوين الجيوش، بشرط ألا يكون ذلك ضد الإمبراطورية الرومانية المقدّسة.

- إعطاء السويد منطقة بريمن، واستطاعت أن تسيطر على أنهار الألب والفيزر والأودر ما فتح أمامها الطريق لتوسيع نفوذها في شمال ألمانيا.

- إعادة تنظيم المجلس الإمبراطوري بنسبة واحدة متساوية من البروتستانت والكاثوليك، وبذلك ضمن الصلح للبروتستانت الحفاظ على مركزهم ومصالحهم.

 

و- نتائج وقرارات المعاهدة:

نتج عن المعاهدة مجموعة من القرارات والنتائج أهمها:

- انهت معاهدة وستفاليا حرب الثلاثين عاماً، التي تسببت بالكثير من الخسائر البشرية والمادية.

- تم إزالة الحواجز الجمركية أمام الأعمال الاقتصادية والتجارية التي تم وضعها أيام الحرب، إضافة إلى الاتفاق على حرية الملاحة بدرجة معينة في نهر الراين.

- أضعفت المعاهدة الإمبراطورية الرومانية المقدّسة، حيث أصبحت اتحاداً ضعيفاً ولم تعد تشكل سلطة مركزية تستطيع سن القوانين وفرض الضرائب وتجنيد الجيوش.

- تراجع مكانة الكنيسة كثيراً خاصة بعد تنازلها عن الكثير من أملاكها، وتقليص دور البابا وانحساره تدريجيا.

- ظهور التمثيل الدبلوماسي، وتبادل السفراء الذي أصبح عرفاً شائعاً بعد توقيع المعاهدة، حيث أصبح تعامل الدول مع بعضها قائماً على أساس المساواة والسيادة.

- السعي إلى مبدأ الإصلاح السياسي والتوجه نحو الاهتمام بالشؤون السياسية بعد انتهاء مرحلة الصراع الديني والطائفي، إضافة إلى الدعوة إلى مبدأ التوازن الدولي.

 

تعتبر معاهدة وستفاليا من أوائل المعاهدات الأوروبية التي سعت إلى إقامة ما يسمى بالتوازن الدولي في أوروبا. كما شكّلت المعاهدة تأطيراً لنظرية الأمن الجماعي الأوروبي، واتجاهاً جديداً في العلاقات الدولية، وكان لها أثر في إرساء قواعد القانون الدولي المتمثلة في مبدأ السيادة، مبدأ الولاء القومي،و مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

 

 

 

المصادر والمراجع:

أشرف صالح محمد السيد، أصول التاريخ الأوروبي الحديث،دار واتا للنشر الرقمي، الطبعة الأولى،2009.

جلال يحي، التاريخ الأوروبي الحديث والمعاصر حتى الحرب العالمية الأولى، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية.

عدي محسن غافل، صلح وستفاليا وأثره في إنهاء الصراع الديني في أوروبا عام 1648، مجلة أهل البيت عليهم السلام، العدد 18.

عصام عبد المنعم البدري _عبد الله احمد السيد، أثر معاهدة وستفاليا 1648، ومؤتمر فيينا (1814-1815) في تطور القانون الدولي العام (دراسة مقارنة).

The Peace of Westphalia Munster ,24october 1648.

ZREIK, M, THE WESTPHALIA PEACE AND ITS IMPACT ON THE MODERN EUROPRAN STATE, QUANTUM JOURNAL OF SOCIAL SCIENCES AND HUMANITIES,2(1),2021.

 

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia