ادعمنا

نظرية الحرب العادلة - Just War Theory

إن النقاش حول عدالة الحروب قديم قدم الحرب ذاتها ونشأ من خلال هذا النقاش ما يعرف بنظرية الحرب العادلة وهي النظرية التي تحدد عدالة الحروب من حيث شنها وإدارتها في ظل المنظومة الأخلاقية ووفقًا لشروط العدالة.

على مدى قرون عديدة تطورت أفكار حول أخلاق الحرب والسلام والقواعد الأخلاقية التي يجب توافرها لكي تكون الحرب عادلة من المنظور الأخلاقي كما كانت هناك محاولات لإيجاد أساس وسطي معقول بين مذهب " المسالمة " الذي يرفض تبرير الحرب بشكل مطلق ومذهب " العنف" الذي يبرر استخدام القوة واللجوء إلى الحرب بشكل مطلق وقد نشأ من جراء ذلك ما يعرف بنظرية الحرب العادلة Just War Theory وهي النظرية التي تبرر استخدام القوة واللجوء إلى الحرب استنادًا إلى أسس ومبررات أخلاقية معينة أي أن استخدام الدولة للعنف يُعد مشروعًا شريطة أن تكون الأهداف عادلة وأن تكون الوسائل التي تستخدم في الحرب مُقيدة.

 

مفهوم الحرب العادلة 

يتكون مفهوم الحرب العادلة من حدين أساسين هما : حد الحرب وحد العدالة ، فالحرب عبارة عن فعل عدواني شنيع تمارسه دولة ضد دولة أخرى سواء كان الدافع وراء ذلك شرعيًا أم غير شرعي ، ومن هنا فالحرب فعل عنيف يقوم على قوة العدة والعدد إما من أجل الهيمنة والسيطرة والاستغلال أو من أجل الظفر بالسلام العادل ، والعادلة بمعنى التقيد بمجمل الأخلاق والقوانين والشرائع التي تنظم الحروب 

وتعني الحرب العادلة البحث عن مجموعة من الأسباب العادلة والمشروعة لإعلان حرب ما لمواجهة الخصوم دفاعًا عن قضية عادلة ومن أجل هدف مشروع يتمثل في صد عدوان أو مواجهة الظلم والإرهاب والتطرف أي أن الحرب العادلة هي إضفاء الطابع الديني والشرعي والأخلاقي على الحرب التي تخوضها دولة ضد دولة أخرى. وبشكل عام يتحدد مفهوم الحرب العادلة انطلاقًا من الأسباب والموضوع والوسائل والأهداف والأطراف وطبيعة الحرب وما قبل الحرب وأثناء الحرب وما بعد الحرب.

وقد عبر توما الأكويني  Thomas Aquinas أنه لكي تكون حرب ما عادلة يجب توافر ثلاثة عناصر : سلطة الأمير ، قضية عادلة ، ونية حسنة. وبوجه عام توجد هناك سبعة ضوابط أو مبادئ يجب أن تتوافر لشن الحرب وإدارتها بطريقة عادلة وهي:

1- السبب العادل : أي أن يكون هناك مبرر عادل لشن الحرب 

2- الملاذ الأخير : أي أن تكون الحرب آخر وسيلة تلجأ إليها الدولة بعد استنفاد كل الوسائل السلمية لشن الحرب أولًا 

3- التناسب : أي أن تكون المنافع التي يمكن أن تُنتج من وراء شن الحرب أكبر على نحو معقول من الخسائر التي يمكن أن تنجم من شن الحرب

4- التيقن من النصر : أن يكون هناك قدر معقول من النجاح من وراء كسب الحرب 

5- الوسائل المشروعة : أي أن تكون الوسائل المستخدمة منذ اندلاع الحرب وحتى هزيمة الخصم شرعية وعادلة 

6- حصانة غير المقاتلين : أي عدم استهداف المدنيين أثناء الحرب 

7- السلام العادل : أن يكون السلام الذي ستسفر عنه الحرب عادلًا.

 

جذور نظرية الحرب العادلة 

يعتقد المؤرخون أن الكتابات الأولى عن الحرب العادلة اُكتشفت في عهد ( امنحوتب الرابع ) وهذه الكتابات تشير إلى مجموعة المواثيق والأعراف المحددة بين العائلة الملكية والوجهاء وتصف الأوضاع والظروف التي تسمح باستخدام القوة ، وهذه القواعد المصرية القديمة أسهمت في تحديد السلوك الصائب في ظروف محددة لكنها افتقدت الانسجام في تحليل الظروف التي توجب استعمال القوة بحرص ، أما الإغريق والرومان فقد رأوا مسألة حماية مجتمعهم أمرًا لا محيد عنه والتغاضي يُعتبر خرقًا للعدالة حيث يرى ( شيشرون ) أن حماية الشعب تقتضي اللجوء إلى العنف لردع العدو ، وبعد اعتناق الإمبراطورية الرومانية للديانة المسيحية واجهت تحديًا متعلقًا بالرغبة في الحصول على دعم الرومان المسيحيين الذين كانوا يتبنون النزعة المسيحية المهادنة التي تؤثر السلم فكان لابد من المواءمة بين النزعة المسيحية المسالمة وبين متطلبات حماية الإمبراطورية من هجمات القبائل البربرية ومع الوقت تم تقبل فكرة الحرب كفعل ضروري إذا كانت الظروف ملزمة حيث تم تكييف مفهوم الحرب مع ما يتمشى مع النزعة المسيحية.

 

نظرية الحرب العادلة في المسيحية 

 كان القديس ( سان أوغسطين ) أول مفكر مسيحي عالج مسألة تبرير الحرب على أساس ديني واعتمد على تعاليم الديانة المسيحية والقانون الروماني وحكمة الفلاسفة أمثال شيشرون ، وقام المفكر الكاثوليكي ( سان أوغسطين ) بتوفير الغطاء الكنسي لفكرة الحرب حيث كانت أفكاره ترتكز على التمييز بين الحرب العادلة والحرب غير العادلة ، فالحرب العادلة بالنسبة له هي الحرب التي تشن بناء على أمر مقدس لأن الرب بالضرورة هو الذي أمر بها وبالتالي يحق للحكام المسيحيين شن الحرب دفاعًا عن الحق ، وقد حاول وضع شروط للحرب العادلة واختصرها في 3 شروط وهم:

- أن يكون هناك سبب عادل لشن الحرب 

- أن يرتكز قرار الحرب على سلطة شرعية 

- أن يكون للحرب هدف قويم أي أن يكون المشارك في الحرب دوافعه نقية وسامية ويجب أن تكون الحرب الوسيلة الوحيدة المتاحة لتحقيق الهدف العادل 

ويرى ( أوغسطين ) أن كل حرب هدفها السلام ومن ثم كانت الحرب أداة السلام ولكن السلام الذي كان يقصده ليس سلامًا مطلقًا لأن كل فرد يشن حرب من أجل السلام  الذي يتناسب مع مصالحه بغض النظر عن مصالح الآخرين ، ويرى أن الحرب تكون مبررة عندما يتم معاقبة من يرتكب الأخطاء أو عندما يتم استعادة شئ جرى الاستيلاء عليه دون وجه حق 

وهكذا تعامل ( أوغسطين ) مع التعاليم المسيحية بإعادة تقييمها سياسيًا مما أدى إلى تغير موقف الكنيسة الغربية من الحرب بحيث أصبحت الحرب ضرورة بعد أن كانت خطيئة بطبيعتها ، وكان حريص على صياغة إيديولوجية الحرب العادلة بالشكل الذي يسوغ له استخدام القوة لمصلحة الكنيسة ، وبذلك الشكل بدأ التطور الذي أدي إلى وجود الحرب المقدسة ثم الفكرة الصليبية داخل نطاق فكرة الحرب العادلة التي لم تكن تفرق بين الحرب الدفاعية والحرب الهجومية.

 

الحرب العادلة عند توما الأكويني 

يعتبر ( توما الأكويني ) أن الحرب فعل مشين وخطيئة كبرى فهي غير مُباحة إلا بإذن من الله ، فالحرب رذيلة وليست فضيلة كالسلام وأعلن أن هناك 3 مبادئ للحرب العادلة وهي : 

1- أن تكون الحرب تعبيرًا عن قوة الشعب وإرادة الدولة وهو ما يُعبر عنه بمبدأ سلطة الأمير

2- أن تكون الحرب لسبب عادل وسبب شرعي ومقبول من الجميع 

3- أن تكون للحرب هدف مشروع ونية صادقة 

ويرى ( الأكويني ) أن يجب ألا يعرض الإنسان حياته للخطر إلا من أجل العدالة ، ويعتبر الحرب واجب كُلى .

كما يرفض استخدام الحيلة والخداع في الحروب العادلة ، ويرفض القتال أثناء الاحتفالات الدينية أو أثناء أيام الصوم .

 

الحرب العادلة عند إيمانويل كانط 

يرى ( كانط ) أن القانون هو الذي يسمح للدولة أن تعلن الحرب ضد دولة أخرى ويدعو إلى سلام عالمي يحتكم إلى العقل والقانون ، ويحرم ( كانط ) الحرب بشكل نهائي فهو من زعماء النظرية السلمية التي ترفض الحرب بشكل قطعي ، فهو يدعو إلى دولة الحرب بالاحتكام إلى سلطة دولية مشتركة ومؤسسة عالمية ، فهو لا يقبل الحرب إلا في إطار ضيق يتعلق بحالة الدفاع عن النفس فقد تكون الحرب ضرورية وعادلة إذا كان الهدف منها هو تحقيق السلام العادل.

 

الحرب عند مايكل وولترز 

لقد عبر ( مايكل وولترز )  عن نظرية الحرب العادلة بأنها مجموعة من المبادئ والمعايير الأخلاقية التي تحدد الوسائل والغايات بالنسبة لاستخدام العنف من جانب الدولة وهذه المبادئ والمعايير الأخلاقية مُلزمة لأنها تقوم على الإجماع العام وهي مشتقة من المعايير القانونية والأفكار الدينية والفلسفية والشرائع الأخلاقية المختلفة والاتفاقيات المتبادلة التي تؤُسس تقليد الحرب الذي يتخلل المجتمع الدولي بأكمله ، وتُعد حقوق الإنسان هي الأساس بالنسبة لنظرية وولترز في الحرب العادلة ذلك أن حقوق الدول مشتقة من حقوق مواطنيها كما يقول أن " حقوق الدول وواجباتها ليست أكثر من كونها حقوق وواجبات الأشخاص الذين يشكلون الدولة " وحقوق الأفراد في الحياة والحرية تترجم إلى حقوق وطنية في السيادة السياسية ووحدة الأراضي الإقليمية للدولة وأي تعدٍ على مجتماعاتهم يُعد تعديًا على حقوقهم وهو ما يبرر شن حرب دفاعية  ويعتبر ( ولترز ) حقوق الأفراد الأساس الذي يجب أن تقوم عليه الحرب العادلة كما تُعد أساس المبادئ الأخلاقية التي – وفقًا لها – يضع المبادئ التي تبرر شن الحرب من أجل الدفاع عن حقوق الأفراد والدول عندما تكون تلك الحقوق لا يمكن الحفاظ عليها إلا بالحرب ، وأيضًا أساس المبادئ التي تحافظ على حقوق غير المقاتلين في الحرب والمبادئ التي تحكم السلام العادل بين الدول وتحمي حقوق الدول والأفراد بشكل أكبر مما كانت عليه قبل الحرب.

 

مبادئ عدالة الدخول في الحروب 

أي المبادئ التي التي يتأسس عليها السلوك العادل لشن الحرب وهم خمس مبادئ : 

١- السبب العادل 

يرى ( وولترز ) السبب العادل الوحيد للجوء إلى الحرب هو مقاومة العدوان ، والعدوان بالنسبة له هو أي انتهاك لوحدة الأراضي الإقليمية أو السيادة السياسية ويرى أن الأفعال العدوانية لها سمة مشتركة وهي أنها ذات طبيعة قسرية من المنظور الأخلاقي والمادي وتُبرر المقاومة بالسلاح وهنا ست فرضيات للعدوان وفقًا ل وولترز وهم : 

- هناك مجموعة من الدول المستقلة 

- هذه الدول لها قانون يؤسس حقوق أعضائها في وحدة أراضيها الإقليمية وسيادتها الأساسية 

- أي استخدام للقوة أو التهديد باستخدامها من قبل إحدى الدول ضد الأراضي الإقليمية أو السيادة السياسية لدولة أخرى عملًا من أعمال العدوان 

- العدوان هو وحده الذي يبرر الحرب 

- العدوان يبرر الحرب للدفاع عن النفس من قبل الضحية ولتعزيز القانون من قبل الضحية 

- يمكن معاقبة الدول المتعدية بعد صد عدوانها 

- ويوجد في ميثاق الأمم المتحدة ما يتوافق مع فرضيات وولترز حيث تنص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة على أنه " ليس في هذا الميثاق ما يُضعف أو يُنقص الحق الطبيعي للدول فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد الأعضاء وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين"

٢- مبدأ النية الحسنة 

يتمثل هذا المبدأ في أن تضع الدولة في حسبانها المبدأ الذي شنت من أجله الحرب وهذا معناه أن الحرب ستكون من أجل تحقيق السلام وتأمين السبب العادل فقط وبذلك يمكن ضمان عدالة الحرب وعدالة ما بعد الحرب في الوقت ذاته حيث يحول من حيث المبدأ أن يتم استخدام أساليب الاغتيال والتعذيب و الأعمال التخريبية التي تجعل هناك صعوبة في تحقيق سلام عادل بعد الحرب ، ويهدف هذا المبدأ إلى أن تكون الأسباب المعلنة للحرب هي نفسها الدوافع الحقيقة التي أدت إلى شن الحرب وبالتالي يجب أن يكون للدولة سبب مشروع للدخول في الحرب والسبب العادل لا يجب أن يتحول ذريعة لتحقيق مطالب غير عادلة .

٣- احتمالات النجاح 

تًعد احتمالات النجاح الخاصة بشن الحرب مسألة نسبية تتوقف على طبيعة الظروف وعقلانية اتخاذ القرارات والهدف من هذا المبدأ هو منع العنف الذي لا طائل له.

٤- مبدأ التناسب 

يرتبط مبدأ التناسب بمبدأ احتمالات النجاح ، فإذا كانت احتمالية النجاح من كسب الحرب كبيرة أو معقولة فإن هذه الاحتمالية تخضع لمبدأ التناسب ومبدأ التناسب ينص على أن الدولة التي تشن جربًا عادلة ينبغي أن تزن المنافع الكلية المتوقعة من وراء الحرب مع الخسائر الكلية المتوقعة وينبغي أن تكون المنافع المتوقعة تفوق أو على الأقل مساوية الخسائر المتوقعة 

٥- مبدأ الملاذ الأخير 

ينص هذا المبدأ على أنه ينبغي على الدول ألا تتسرع في شن الحرب وأن تستنفد كل السبل المعقولة والممكنة وأن تلجأ إلى الدبلوماسية قبل اللجوء إلى الحرب حتى تتأكد أن الحرب هي الملاذ الأخير .

 

مبادئ عدالة إدارة الحروب 

يوضح وولترز مبادئ العدالة في إدارة الحروب وهما مبدآن أساسيان :

١- مبدأ التمييز وحصانة غير المقاتلين 

يوضح هذا المبدأ أنه يجب التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين في الحروب ويرى ( وولترز ) أن الهدف المشروع في الحرب هو أي فرد يسبب أذى ومن ثم فإن المدنيين لا ينبغي أن يكونوا مستهدفين بشكل مباشر أو غير مباشر بالقوة المسلحة ، وهنا يتفق مع ( توماس ناجل ) في أنه ينبغي أن تكون معاملة العدو لخصمه في الحرب على أساس التهديد أو الضرر المباشر الذي يمكن أن يسببه له 

٢- مبدأ التناسب وعدم استخدام الوسائل الشريرة 

ينص مبدأ التناسب على أنه يجب استخدام قوة تناسبية ضد الأهداف والعناصر المشروعة وهنا استخدم ( وولترز ) عقيدة النتائج المزدوجة لتوضيح الأفعال التي يمكن القيام بها أثناء الحرب ضد الأهداف المشروعة ، فينبغي أن تراعي الدولة المدنيين أثناء الحرب بشرط أن تكون العناصر المدنية ليست الوسائل التي من خلالها يمكن تحقيق الهدف المشروع للحرب ، وقد استخدم ( وولترز ) معيار التناسب لتجريم استخدام الأسلحة الكيماوية والنووية في الحرب 

ولكن اعتبر ( وولترز ) أنه يمكن تجاهل القواعد الأخلاقية للحرب ويمكن انتهاك معيار التمييز ومعيار التناسب في حالتين هما الانتقام وهو أن يقوم الجنود ببعض الأفعال الانتقامية إذا كان ذلك يدفع جنود الدولة المعتدية لإيقاف الأفعال العدوانية من قبل قادتهم ، والحالة الأخرى هي الطوارئ القصوى وهي عندما تواجه الدولة مخاطر شديدة تسبب لها الهزيمة العسكرية هنا يمكن أن تلجأ الدولة إلى الخروج على القواعد الأخلاقية للحرب.

 

مبادئ عدالة ما بعد الحرب 

تشير إلى المبادئ التي تتأسس عليها العدالة بعد انتهاء الحرب وتناقش هذه المبادئ مشكلات مثل نزع السلاح ، وإعادة النظام ، ومحاكمة مجرمي الحرب ، والتعويض ، وإبرام معاهدات سلام عادلة ، ويرى ( وولترز ) أنه ينبغي أن تنتهي الحرب بتحقيق الهدف المشروع لها والهدف المشروع هو إقرار الحقوق التي بررت اللجوء إلى الحرب في المقام الأول وهناك مجموعة من المبادئ التي ينبغي أن تتأسس عليها عدالة ما بعد الحروب وهي :

١- التعويض وحق تقرير المصير 

لأن العدوان ينتهك الحقوق الأساسية للأفراد والدول ويسبب الكثير من الدمار فإنه يجب على المعتدي أن يدفع بعض التعويضات لضحايا العدوان ، ويرتبط ثمن التعويض بخطورة الفعل العدواني نفسه وهنا يتم تطبيق مبدأ التناسب ، أما بخصوص من يدفع التعويض فيتم استخدام مبدأ التمييز للتفرقة بين من ارتكبوا العدوان من الدولة المعتدية وبين المدنيين وينبغي أن يكون أي تعويض للضحية من الثروة الشخصية للنخب السياسية والعسكرية في الدولة المعتدية ، أما مبدأ تقرير المصير فهو أحد المبادئ الأساسية التي تقوم عليها عدالة ما بعد الحروب حيث أوضح ( وولترز ) أنه يجب على المنتصر في المقام الأول أن يعيد الاستقرار والنظام ويترك حق تقرير مصير المهزوم 

٢- نزع السلاح وإعادة الإصلاح 

نزع السلاح يعني أن المعتدي يجب أن يكون منزوعًا من السلاح إلى الحد الذي لا يفرض معه تهديدًا خطيرًا على أوضاع المجتمع الدولي بعد نهاية الحرب ، ويجب وجود منطقة فاصلة منزوعة من السلاح بين الطرفين ، وهنا يتم تطبيق مبدأ التناسب فالمعتدي لا يكون منزوعًا كليًا من السلاح حتى لا يتعرض للخطر ،  أما مبدأ إعادة الإصلاح فهو يستمد ضرورته من إعادة ترسيخ الحقوق والصعوبة هنا تكمن في الإجراءات الأكثر خطورة التي يفرضها النظام المنتصر 

٣- محاكم جرائم الحرب ومبدأ المسؤولية 

تُعد محاكم جرائم الحرب إحدى الوجوه المهمة لعدالة ما بعد الحرب ، وقد أوضح ( وولترز ) أنه لا يمكن أن تكون هناك حرب عادلة إذا لم يكن هناك بشكل أساسي أفراد مسؤولون عن شن الحرب وإدارتها ، وهنا يتم تقسيم جرائم الحرب إلى قسمين : قسم جرائم انتهاك مبادئ عدالة الدخول في الحروب ، وجرائم انتهاك مبادئ عدالة إدارة الحروب 

بالنسبة لجرائم انتهاك مبادئ عدالة الدخول في الحروب فهي ترتبط بالحرب العدوانية التي تم التخطيط لها وتقع مسؤولية هذه الجرائم على عاتق الحكومة السياسية في النظام المعتدي فقط والعقاب على هذه الجرائم يخضع لمبدأ التناسب كما يرى ( وولترز ) ويمتثل قادة الدولة المعتدية للمحاكمة أمام محكمة دولية عامة ونزيهة ، أما جرائم انتهاك مبادئ عدالة إدارة الحرب فهي تتضمن الاستخدام المتعمد للقوة غير التناسبية وانتهاك حقوق المدنيين واستخدام أسلحة غير تناسبية في حد ذاتها مثل أسلحة الدمار الشامل ، والمسؤولية الأساسية في هذه الجرائم تقع على عاتق الجنود والقادة العسكريين الذين قاموا بهذه الأفعال سواء كانوا من الدولة المعتدية أو الدولة المُعتدي عليها ، وما يميز هذا النوع من الجرائم أنها عادة تُرتكب من كل أطراف الحرب.

 

آراء حول الحرب العادلة 

يرى ( أفلاطون ) أن الحرب هي نزاع بين دولتين أو شعبين وأعلن رفضه للحرب إلا لضرورة قصوى يكون الهدف منها تحقيق السلام العادل وبالتالي يرفض الحرب طويلة الأمد ، وتتخذ رؤية أفلاطون للحرب طابع إنساني وأخلاقي فالحرب العادلة عند ( أفلاطون ) هي استثناء أخلاقي وحرب للضرورة القصوى. بينما يرى ( أرسطو ) أن الحرب تكون من أجل تحصيل الغنائم وتحقيق المنافع وبالتالي ينظر إلى الحرب نظرة واقعية مادية و برجماتية ، ويرى ( هيجل ) أن الحرب ليست شرًا مطلقًا فلها بُعد أخلاقي وهي ضرورة واقعية من جهة أخرى ، وأيضًا يرى ( نيتشه ) أنه لا يمكن حماية السلام إلا بإعلان الحروب ، ويرى ( هانز مورجانثو ) أن أفضل الأخلاق لإدارة الحروب هي فرض هيبة الدولة وفرض قوتها وتحقيق مصالحها القومية أما الأخلاق العادلة فلا وجود لها في مجال العلاقات الدولية.

 

الحرب العادلة في القانون الدولي 

سعت الحضارات كافة لوضع حد للعنف ولفترات طويل كانت هناك قواعد عُرفية نشأت بوحي من الدين للحد من الحرب ولكن كانت يتم نسيانها متى تعلق الأمر بشن الحرب على أعداء لا يتحدثون اللغة نفسها أو لا يعبدون نفس الآلهة ، وأسهم آباء القانون الدولي على نحو حاسم في اعتماد قواعد ترمي إلى الحد من العنف حيث يعود الفضل إلى ( فاتل Vattel ) في كونه أول من وضع الحرب العادلة موضع تساؤل في القانون الدولي وأوضح أنه لا يمكن أن تكون الحرب عادلة على كلا الجانبين وأضفى على الحرب طابع نسبي وقام بتجريدها من آثارها.

ومع إنشاء نظام أوروبي جديد نابع من معاهدات وستفاليا 1648 التي وضعت نهاية لحروب الثلاثين عام ومن ثم لم يعد ينظر إلى الحرب كوسيلة الانتصار لعقيدة أو دين أو وإنما كوسيلة قاصرة – في الواقع – لفض نزاع بين سيدين لا يعترفان بأي قاضٍ مشترك ، ومع نشوء الدول والأمم تم اعتماد قواعد ترمي إلى الحد من ويلات الحرب وقبلت الدول بالامتناع عن الأساليب الغادرة وحظر استعمال أسلحة معينة التي لا تتناسب مع الهدف المشروع الوحيد للحرب وهو إضعاف القوة العسكرية للعدو وتم تقنين هذه القواعد في اتفاقيات جنيف لأعوام 1864 ، 1906 ، 1929 ، 1949 ، اتفاقيات لاهاي لعامي 1899 ،و 1907

وبشكل عام جرى إقرار وسيلتين للحد من العنف الحربي: 

١- القواعد الخاصة بسير العمليات العدائية التي تنظم وسائل وأساليب القتال وتحظر الهجمات العشوائية والهجمات ضد غير المقاتلين والأسلحة التي من شأنها أن تسبب آلامًا لا تتناسب مع هدف الحرب وايضًا تحظر اللجوء إلى أساليب الغدر 

٢- القواعد التي تحمي غير المقاتلين والأفراد الذين أصبحوا عاجزين عن القتال 

وفي ظل النظام القديم وخلال القرن التاسع عشر كانت الحرب إحدى رموز السيادة وهي كانت عادلة متى فعل الأمير ذلك ، لكن في ظل ميثاق عصبة الأمم تم الحد من اللجوء إلى الحرب ، و بموجب ميثاق باريس أعلنت الدول المتعاقدة أنها تدين اللجوء إلى حرب لفض المنازعات الدولية وأنها ترفضها كأداة للسياسة الوطنية ، و بموجب ميثاق الأمم المتحدة تم حظر كل استعمال للقوة في العلاقات الدولية باستثناء العمل القمعي الجماعي والدفاع الشرعي الفردي والجماعي عن النفس. 

ومن المشكلات التي أثيرت بخصوص فكرة اللجوء إلى الحرب هي فكرة استناد أحد المحاربين لكون ضحية لعدوان لكي يتحلل من التزاماته بموجب القانون الدولي الإنساني ويرفض احترام قواعده وظهر ذلك في كثير من النزاعات قريبة العهد حيث أعلن أحد الطرفين أو الأثنان معًا أنه لم يفعل أكثر من ممارسة حقه المشروع في الدفاع عن النفس وارتفعت أصوات مطالبة بعدم الالتزام بقواعد الحرب تجاه المعتدي تبعًا لكونها ضحية لعدوان وتم تصور بعض الحلول لهذا الأمر منها : 

١- اعتبار حرب العدوان عملًا يستعصى على أي تنظيم وفي هذا الإطار يجب الإقرار بأن قوانين وأعراف الحرب لا تنطبق على أي من الطرفين المتحاربين 

ولكن هذا الحل يقود إلى منح رخصة مطلقة وترك العنان لبربرية تتضاءل أمامها أهوال الحروب السابقة 

٢- اعتبار أن عدم مشروعية اللجوء إلى القوة ليس لها من أثر سوى حرمان الدول المتعدية من الحقوق التي يكفلها قانون الحرب وفي المقابل تظل هذه الدول مُلزمة بما يترتب على هذا القانون من واجبات 

وهنا ينتهي الأمر إلى تطبيق تمييزي لقوانين وأعراف الحرب حيث تبقى الدولة المعتدية خاضعة لكافة الالتزامات النابعة من صفتها كطرف متحارب بينما تتحرر الدولة ضحية العدوان من كافة التزاماتها تجاه عدوها .

ومن البديهي أن حظر التهديد باستعمال القوة أو استخدامها في العلاقات الدولية لن يكون له سوى قيمة رمزية ما لم يكن مصحوبًا بعقوبات.

 

نظريات بديلة:

- النظرية الواقعية: برزت هذه النظرية خلال الحرب الباردة وتفترض أن العلاقات الدولية عبارة عن صراع من أجل القوة لتعزيز مصالح كل دولة بشكل منفرد فترى أن الحرب ضرورية من أجل الدفاع عن الوطن من خلال تحقيق منافعها المباشرة وغير المباشرة سواء كانت حرب دفاعية أو هجومية ولا يهم نوع الوسائل المستخدمة أو طبيعة تلك الحرب ، فهنا الحديث عن واقعية مطلقة تنكر أي ارتباط بين الحرب والأخلاق.

- النظرية السلمية: ترفض هذه النظرية الحرب بشكل جذري ولا تعترف بوجود حرب عادلة أو غير عادلة فالحرب حرب مادمت تحصد أرواح ولا يهم إن كان هناك هدف عادل أو سبب عادل. 

- النظرية الأخلاقية: ترى أن الحرب تكون ضرورة في بعض الأحيان ولكن لابد من التقيد بالضوابط الأخلاقية في استعمال الحرب دون إلحاق الضرر بالمدنيين وترى أنه من غير الممكن منع الحرب بشكل نهائي ويمكن استخدام الحيلة والخداع من أجل الإطاحة بالعدو مادام الهدف عادل وهو الدفاع عن قضية مشروعة وكذلك يمكن اللجوء إلى حرب استباقية إذا كان الهدف الشرعي يستلزم ذلك. 

- النظرية النقدية: يمثلها ( وولترز ) وأساسها أن يكون هناك نقد دائم للحرب العادلة مع تحميل الأطراف السياسية المسؤولية الكاملة عما يرتكبونه ومع السعي من أجل نشر الفضيلة وإحقاق الحق.

 

 

 

المصادر والمراجع:

أ. حمدي الشريف ، نظرية الحرب العادلة بين اليوتوبيا والايديولوجيا، مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث ، 2016 ، الرباط.

 أ. جميل حمداوي ، هل هناك حرب عادلة ؟ ، كتاب الإصلاح ، العدد 14 ، 2016.

قراءة في نظرية الحرب العادلة والجهات المؤثرة الغير حكومية ، التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب ، أكتوبر 2020.

أ. حيدر خضير مراد ، القديس أوغسطين ونظرية الحرب العادلة ، مركز الدراسات الاستراتيجية ، جامعة كربلاء ، يناير 2022.

فرنسوا بونيون ، الحرب العادلة وحرب العدوان والقانون الدولي الإنساني ، المجلة الدولية للصليب الأحمر ، 2002.

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia