ادعمنا

نظرية قلب العالم - HeartLand Theory

يُعتَبر عالم الجغرافيا والسياسة البريطاني هالفورد جون ماكندر - Halford John Mackinder الذي ولد في مدينة غينزبورو - Gainsborough البريطانية في الخامس عشر من شهر شباط/فبراير عام 1861 أَوَّلْ من وضع نَسَقاً تصورياً للتفكير في العالم كوحدة سياسية واحدة قابلة للتحكم، وحاول أن يُقَدِّم مفاتيح اللعبة السياسية الكبرى وكيفية إدارتها، حيث تُعد نظرية قلب العالم التي جاء بها في مقال له تحت عنوانمحور الارتكاز الجغرافي في تعاليم التاريخ - The Geographical Pivot of History، أَوَّلْ نظرية عامة في الاستراتيجية العامة والقوى العالمية.

فقد قَدَّمَ ماكندر مفهوم قلب العالم - HeartLand  ليُفسر للإمبراطورية البريطانية الحاجة إلى معالجة التوسع الروسي باتجاه الخليج الفارسي، في وقت كانت روسيا تعزز بقوة نظام القوة البرية الممثلة من طرف روسيا أنْ تكون تقريباً كمحرك للقوة البحرية الممثلة من طرف الإمبراطورية البريطانية وهذا يمنح مزايا حاسمة في جزيرة العالم.

 

حدود قلب العالم وميزاته

من خلال هذه النظرية قدم ماكندر إحدى النظريات المختصة بمجال صراع القوى العالمية تنظر إلى العالم ككل نظرة كوكبية، كما هو الذي ربط بين المساحات الضخمة والموقع المكاني، فقد وجد أنَّ الماء يشغل ثلاثة أرباع مساحة الكرة الأرضية، بينما تشغل اليابسة ربع مساحتها فقط، كما وجد أنَّ (قارات العالم القديم) الثلاث آسيا وأفريقيا وأوروبا تشغل ثلثي مساحة اليابسة، ويسكن هذه القارات الثلاث نحو 90%  من سكان العالم بينما لا يسكن القارات الأخرى سوى 10%، كما اعتبر قارات العالم القديم الثلاث قارة واحدة أطلق عليها جزيرة العالم  - World Island، ويرى ماكندر أنَّ من يستطيع أنْ يسيطر على  جزيرة العالم فإنَّه يستطيع أن يسود العالم كله، وأنَّ أيَّة قوة بحرية لن تقف في وجه القوة البرية بحكم أنَّ الأخيرة ستكون مسيطرة على هوامش الجزيرة العالمية بما في ذلك القواعد البحرية، كما أنَّ القوة البرية بما تمتلك من إمكانيات بشرية وموارد طبيعية ستكون في مركز أقوى يمكنها من غزو أية قارة أخرى و فرض السيطرة.

ويؤكد ماكندر على الوضع الجيوبوليتيكي الأفضل لكل دولة هو الوضع المتوسط المركزي، والمركزية مفهوم نسبي ويمكنها أن تتبدل مع كل سياق جغرافي محدد ، إلَّا أنَّ القارة الأوراسية تقع في مركز العالم ويقع في مركزها قلب العالم، وهو تجمع الكتل القارية للأوراسيا، وهذا الجسر الجغرافي الأكثر ملاءمة للسيادة على العالم بأسره، كما يَعْتَبِرْ ماكندر المنطقة الأكثر أهمية في السياق الأعم ضمن حدود الجزيرة العالمية، وعلى هذا؛ يقوم ماكندر بتدريج المدى الكوني عبر نظام الدوائر المتحدة المركز، وأطلق ماكندر على المنطقة الوسطى في الجزيرة العالمية اسم منطقة الارتكاز - Pivot Area ليُعدلها فيما بعد إلى قلب الأرض - Heart Land وهي منطقة تغطي مساحة قدرها 3309 مليون كلم مربع، ويلاحظ أن فيرجريف - James Fairgrieve هو الذي سبقه في استخدام هذا المصطلح، ويسمى بأرض القلب بعد ذلك يأتي الهلال الداخلي أو الحدِّي وهو الطوق المتطابق مع مجالات الحافة في القارة الأوراسية والهلال الداخلي يمثل وفقاً لماكندر منطقة حضارة ذات تطور أكثر كثافة، يلي ذلك المنطقة الأبعد نحو الخارج الهلال الخارجي أو الجزيري، وهي منطقة خارجية بصفة كلية بالنسبة للكتلة القارية للجزيرة العالمية.

 

تعديل نظرية قلب العالم لماكندر

أعاد هالفورد جون ماكندر صياغة أفكاره عن نظرية قلب العالم في سنة 1943، تتلخص بالتالي:

- توسيع قلب العالم: وأصبح هناك قلبان شمالي الذي تحدث عنه في نظريته السابقة، والقلب الجنوبي، وما يربط بين القلبين هي المنطقة العربية، حيث تصور منطقة إرتكاز أخرى ولو أنها حسب رأيه أقل أهمية من سابقتها وسمَّاها القلب الجنوبي وتتكون من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث أنَّ مياه هذا القلب تفيض من الهضاب الداخلية إلى كل من النيجر والكونغو والزمبيزي والأولانج واللمبوبو، وتصلح الأجزاء العليا لهذه الأنهار كلها للملاحة إلى مسافات طويلة، وثمة وجه شبه بين  منطقتي القطب الشمالية و الجنوبية ذلك أنَّ كلاً منهما يوجد به غابات وحشائش كثيرة . يتصل القطبان الشمالي والجنوبي ببعضهما البعض عن طريق جسر بلاد العرب، و بلاد العرب في رأي ماكندر هي تلك التي تمتد من لنيل غرباً إلى ما وراء الفرات شرقاً، و من سفوح جبال طوروس شمالاً حتى خليج عدن جنوباً أي حوالي 1800 ميل وتمتاز هذه المنطقة بوجود ثلاث طرق مائية وهي النيل والبحر الأحمر، نهر الفرات والخليج العربي، كما أنَّ بلاد العرب نفسها تكون طريقاً برياً بين القلب الشمالي والقلب الجنوب. كما استبعد (أرض لينا) - نسبة إلى نهر لينا في منطقة القلب وهي تقع إلى الشرق من نهر ينسى - لقلة أهميتها الاقتصادية والاستراتيجية، ورأى أيضاً أن الدول على شاطئ الأطلنطي الشمالي، غرب أوربا وأمريكا الشمالية ترتبط بروابط وثيقة وذات قوة صناعية وعسكرية جبارة، واعتبرها منطقة جيواستراتيجية خطيرة .

- الحوض الأوسط (Mid Land):  واستحدث اصطلاح جديد هو الحوض الأوسط ويقصد به شمال المحيط الأطلنطي وشرق الولايات المتحدة وغرب أوروبا.

 

السيطرة على قلب العالم من ثم السيطرة على العالم كله

انتهى ماكندر إلى فرضياته العلمية والتي يدور فحواها حول ما يلي:
- ”من يحكم شرق أوروبا يحكم قلب الأرض
- ”من يحكم قلب الأرض يحكم الجزيرة العالمية
- ”من حكم الجزيرة العالمية حكم العالم

أوضح ماكندر أنَّ من يتحكم في منطقة العالم هي قوة آخرى أقوى بكثير من أي دولة بمفردها وأن أي قوة تتحكم في منطقة جزيرة العالم فإنها تتحكم بمساحة تعادل 3309 مليون كيلو مترٍ مربع أي ثلثي مساحة العالم وسبعة أثمان سكانه وبالتالي يسيطر على العالم

 

نقد نظرية قلب العالم

استمرت نظرية هالفورد جون ماكندر لمدة تقارب القرن، حيث لم تنهار معظم فروضها إلا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي نهاية عام 1990، فعلى الرغم من أنَّ قلب العالم يمتلك العديد من المزايا، إلا أنَّ توسط هذا القلب يجعله عرضة لائتلاف الهوامش ضده والذي قد يركز عليه الغرب بواسطة الأسلحة الجوية الحديثة، من هنا تعرضت نظرية قلب العالم للعديد من الانتقادات، منها:

- لم يُأخذ بعين الاعتبار هالفورد جون ماكيندر الصعوبات التي يعاني منها قلب العالم بسبب تضاريسه، ووقوعه في مكان متطرف من العالم أي أنَّه معزول نوعاً ما، بل اختصره بالصراع بين البر والبحر وربط قوة الدولة بالمساحة الجغرافية فقط، كما ضخّم أهمية الموارد الموجودة في قلب العالم.

- لم يضع في حسبانه عندما وضع نظريته، التطور التكنولوجي وتأثيره على قلب العالم، حيث ساهم تطور سلاح الجو والسلاح النووي والصواريخ العابرة للقارات قد عمل على كشف قلب العالم للغزو وسلبه مناعته الطبيعية وعمقه الاستراتيجي وأصبح عرضةً للاختراق.

- لم يأخذ هالفورد جون ماكندر بعين الاعتبار التطوارت الإيديولوجية، فقد أدى قيام الثورات الشيوعية في دول الهلال الداخلي مثل الصين عام 1949، كوريا الشمالية عام 1951، فيتنام عام 1954، كوبا عام 1960 في الهلال الخارجي جميعها أدت لاختراق قلب العالم من دون غزو عسكري، بل بالقوة الناعمة (Soft Power).

في الختام.. شكلت نظرية ماكندر التي حملت اسم قلب العالم - Heartland Theory أساساً لاستراتيجية الدول الأوروبية بعد الحرب العالمية الأولى، لكنها لم تمنع اندلاع حرب عالمية ثانية، وبعد الحرب استندت إليها الولايات المتحدة الأمريكية لبلورة استراتيجيتها تجاه الاتحاد السوفيتي، ومن هنا يتبين لنا أهمية هذه النظرية التي صاغها هالفورد ماكندر والذي ربما لم يتوقع أن تحظَ بكل هذا الاهتمام حتى بعد وفاته، حيث أصبحت تُدّرس في الجامعات كإحدى نظريات الجغرافية السياسية.

المصادر والمراجع:

ألكسندر دوغين، أسس الجيوبولتيكا ومستقبل روسيا الجيوبولتيكي، ترجمة عماد حاتم، دار الكتب الجديد ، بيروت،لبنان،2004.

جندلي عبد الناصر، أثر الحرب الباردة على الاتجاهات الكبرى النظام الدولي، مكتبة مدبولي، القاهرة، جمهورية مصر العربية،2011 .

حسام الدين جاد الرب، الجغرافيا السياسية، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، جمهورية مصر العربية، 2009.

صبري فارس الهيتي، دراسات في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكس، مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع، الأردن، 2012.

عباس غالي الحديثي، نظريات السيطرة الاستراتيجية وصراع الحضارات، الاردن، دار أسامة للنشر والتوزيع،2004.

نصري ذياب خاطر، الجغرافيا السياسية والجيوبولتيكا، الجنادرية للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2010.

محمد محمود إبراهيم الديب، الجغرافيا السياسية: منظور معاصر، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، جمهورية مصر العربية، 1989.

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia