تعتبر السياسة المالية مرآة عاكسة لدور الدولة في الأنشطة الاقتصادية عبر التاريخ ويمكن القول بأن السياسة المالية هي السياسة التي بفضلها تستعمل الحكومة برامج نفقاتها وإيراداتها العامة، والتي تنتظم في الموازنة العامة لإحداث آثار مرغوبة وتتجنب الآثار الغير مرغوبة على الدخل والإنتاج والتوظيف، بحيث تعمل على تنمية واستقرار الاقتصاد الوطني ومعالجة مشاكله ومواجهة كافة الظروف المتغيرة على اقتصاديات الدولة.
تُعرف السياسة المالية على أنها سياسة تربط بين الإنفاق والإيرادات الحكوميّة التي تمّ وضعها لمواجهة التقلّبات الاقتصاديّة؛ وذلك من أجل تخفيض نسب البطالة ومعدّلات التضّخم أو القضاء عليها، بالإضافة إلى تحقيق نموّ اقتصاديّ مُستدام يُمكن السيطرة عليه، حيث تُحفّز الحكومات الاقتصاد في حالات الركود من خلال زيادة عرض النقود، أمّا في حالات التوسّع الاقتصادي فتحدّ الحكومة من النموّ الاقتصاديّ المتسارع من خلال فرض الضرائب لتحقيق فائض للميزانيّة،
كما وتُعرَف السياسة المالية على أنها "استخدام الحكومة الإنفاق الحكومي والضرائب للتأثير على الاقتصاد وتستخدم الحكومة السياسة المالية لتعزيز معدلات النمو والحد من الفقر.
كما وتُعرَف السياسة المالية على أنها الوسيلة التي يتم من خلالها ضبط مستويات الإنفاق ومعدلات الضرائب لرصد التأثير على اقتصاد البلاد، وهي تعمل مع السياسة النقدية التي تكون من خلال البنك المركزي التي تؤثر في العرض النقدي في البلاد، وتستخدم السياسة المالية توليفات مختلفة لتوجيه الأهداف الاقتصادية للبلد.
تهدف السياسة المالية إلى تحقيق أمور لا تختلف عن أهداف السياسة النقدية والتي أبرزها على النحو التالي:
1- الاستخدام الأمثل للموارد الاقتصادية والوصول إلى مستوى التوظيف التام.
2- تحقيق الاستقرار في المستوى العام للأسعار.
3- رفع معدلات النمو الاقتصادي: تعتبر زيادة معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي من أهم الأهداف التي تسعى الدول لتحقيقها باستخدام أدوات السياسة المالية، ولتحقيق هذا الهدف لا بد من اختيار التركيبة المناسبة لمفردات السياسة المالية، بحيث تخدم هدف زيادة معدل النمو، حيث أن مفردات السياسة المالية غير المتجانسة قد تؤدي إلى أهداف معاكسة، لذلك لابد من دراسة الحالة الظرفية للاقتصاد واختيار الأدوات المالية المناسبة التي تساهم في تنشيط حجم الطلب الكلي الأمر الذي يدفع لزيادة العرض الكلي في الاقتصاد الوطني.
4- العمل على إعادة توزيع الدخل بشكل عادل وتحقيق رفاهية المجتمع: حيث تستطيع السياسة المالية المساهمة في تحقيق العدالة الاجتماعية وذلك باستخدام أدواتها مثل الضرائب، الإنفاق العام، وغيرها. فمثلاً تستطيع الدولة القيام بزيادة الضرائب على الطبقات الغنية وتخفيضها على الطبقات الفقيرة، أو زيادة الإنفاق العام على المشروعات الخدمية والقطاعات غير الإنتاجية في الاقتصاد مثل الصحة، التعليم، الرياضة، الثقافة وغيرها، والمرافق الأخرى التي يستفيد منها الفقراء وأصحاب الدخل المحدود بشكل مباشر، كما يمكن أن تقدم الدولة المساعدات للعائلات كثيرة العدد، أو العائلات التي لا تجد عملاً، أو بشكل عام للعاطلين عن العمل وكذلك للكبار والمسنين وغيرهم، وبذلك تكون الدولة قد سعت إلى إعادة توزيع الدخل لصالح الطبقات الفقيرة.
تعاقب على السياسة المالية عدة تطورات وفقاً للمذاهب الاقتصادية في العالم، ففي الفكر الكلاسيكي كانت السياسة المالية محايدة شأنها في ذلك شأن الفكر الذي تعمل فيه، أما في الفكر الحديث فقد أصبحت متدخلة في كافة المجالات وذلك بسبب التطورات الاقتصادية والأيدلوجية والأحداث المتعددة التي أجبرت السياسة المالية على التخلي عن مفهوم الحياد.
أولاً: السياسة المالية لدى الفكر الكلاسيكي
لقد كانت النظرية المالية التقليدية تقوم على أساس فلسفة المذهب الاقتصادي التقليدي الذي يقوم على أساس قانون ساي للأسواق وجوهره هو الاعتقاد بأن النظام الاقتصادي الحر يخلو من العوامل الذاتية ما يضمن له دائماً ذلك المستوى من الدخل الوطني الذي يتم عنده استغلال كل الطاقة الانتاجية وتفسير عبارة قانون ساي تؤكد علاقة سببية مباشرة ما بين الانتاج والإنفاق فأي زيادة في الانتاج سوف تخلق زيادة معادلة في الدخل النقدي.
ويرى أنصار الفكر الاقتصادي الكلاسيكي أمثال "دافيد ريكاردو، جون ستويرت ميل، ألفرد مارشال" حول السياسة المالية بأنها عبارة عن ميل الإدّخار والاستثمار إلى التعادل عن طريق تغيرات سعر الفائدة وعند مستوى التشغيل الكامل ويرون بأن موارد المجتمع الانساني الطبيعية والفنية سوف تشغل بأقصى كفاية وتوظف توظيفاً كاملاً بصفة مستمرة إذا لم تتدخل الحكومة في الميدان الاقتصادي على وجه الاطلاق، ومن ثم هناك قاعدة ثانية للسياسة المالية والتي تنص على أن يكون تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي تدخل حيادي وفقاً لمبدأ حيادية الدولة والذي يعني أن لا يتأثر القطاع الخاص بالقرارات التي تتخذها الدولة في الشأن الاقتصادي، ويرى الفكر الكلاسيكي بأن السياسة النقدية هي الوحيدة القادرة على حل المشكلات الاقتصادية مثل الانكماش والتضخم إلا أن السياسة المالية حلت هذه المشاكل ما بعد فترة الكساد العظيم عام 1929.
ثانياً: السياسة المالية لدى الفكر الكينزي
إن النظرية الكلاسيكية سادت خلال فترة من الزمن ونتيجةً لما أملته على السياسة المالية من دور محدود ومقصور فإن التطورات السياسية والاقتصادية التي أحاطت بالعالم خلال الثلاثينات والأربعينات من القرن المنصرم والمتمثلة بفترة الكساد العظيم والحرب العالمية الثانية دعت الحاجة إلى تغيير بعض المعتقدات والمفاهيم لدى الرأسماليين، حيث بدأت الدعوة إلى مزيد من التدخل الحكومي من خلال السياسة المالية لحل المشكلات الاقتصادية القائمة،
ونتيجة لذلك جاءت نظرية كينز الاقتصادية والتي تقوم على أساس أن التوازن لا يمكن أن يحدث تلقائياً كما ادعى أنصار الفكر الكلاسيكي بل لا بد من تدخل الدولة بإستخدام السياسة الملائمة للوصول إلى الوضع التوازني المنشود، حيث ركز على مفهوم الطلب الكلي الذي يقوم بدوره على خلق مجموعة من التغييرات كمحدد أساسي للتغييرات التي تحدث في المستوى التوازني للدخل الوطني كما افترض أن العجز في الطلب الكلي هو أحد أسباب الكساد، كما ورفض قانون ساي للأسواق الذي يتضمن أن العرض يخلق الطلب المساوي له وتلقائية التشغيل الكامل ، وخلص التحليل الكينزي بأن مستوى التشغيل الكامل والانتاج يتوقف على الطلب الكلي الفعال بحيث أن الطلب لا يتحدد تلقائياً عند المستوى الذي يحقق التشغيل الكامل لموارد المجتمع الإنتاجية.
أولاً: أدوات السياسة المالية التلقائية الغير مقصودة:
ويقوم هذا النوع على تحقيق أهداف السياسة المالية بصورة تلقائية وبدون تدخل من قبل الدولة أو خطط مؤسسية إنما تعمل بشكل تلقائي وذاتي ويطلق عليها الضوابط التلقائية ومن الأمثلة عليها:
١- الإيرادات العامة من الضرائب التصاعدية أو النسبية.
٢- المدفوعات التحويلية والتي تتضمن تحويلات على شكل مساعدات أو إعانات من الحكومة إلى القطاع العائلي أو سياسات الدعم للقطاعات الانتاجية داخل الدولة.
ثانياً: أدوات السياسة المالية المقصودة:
وتهدف هذه الأدوات إلى التأثير على مستوى الانتاج أو الدخل أو مستوى الأسعار من خلال التأثير على مستوى الطلب الكلي، وتقسم هذه الأدوات إلى:
١- الإنفاق الحكومي العام: ويُعرَف على أنه أداة من أدوات السياسة المالية، حيث نقوم الدولة بالإنفاق لتحقق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية، ويشمل الإنفاق الحكومي الرواتب والأجور في القطاعات الحكومية، كما يشمل المشاريع الإنمائية والإنفاق على البنى الأساسية مثل الطرق والجسور والمياه والكهرباء، ويشكل الإنفاق الداخلي أكبر نسبة في الإنفاق الحكومي ويكون عبر الإنشاءات والاستهلاك العام، كذلك مساهمات الحكومة في الشركات المحلية ودعم بعض القطاعات الاجتماعية والاقتصادية، كما يتم الإنفاق الحكومي في حال حدوث عجز في الموازنة العامة، حيث تقوم الحكومة بتغطية العجز من خلال اقتراضها من المؤسسات المالية الداخلية أو الخارجية، كما ويُعرَف الانفاق العام على أنه الانفاق الذي تتحمله الحكومة من أجل بقائها وللمحافظة على رفاهية المجتمع والاقتصاد ككل، ويعمل الانفاق العام على ضبط حجم الطلب الكلي، حيث أنه في حالة وجود فجوة تضخمية تعمل الدولة على اتباع سياسة مالية انكماشية تهدف إلى تخفيض حجم الانفاق العام لضبط مستوى الطلب الكلي، وفي حالة وجود فجوة ركودية تعمل الدولة على اتباع سياسة مالية توسعية تهدف إلى زيادة حجم الانفاق العام لضبط مستوى الطلب الكلي.
٢- الضرائب: وتعتبر أحد أدوات السياسة المالية، وتُعرَف الضرائب على أنها مُساهمة ماليّة إلزاميّة يتمُّ فرضها على الأنشطة، والنّفقات، والوظائف، والدخل سواءً الخاص في الأفراد أو المنشآت، وتُعرَف الضّريبة أيضاً بأنّها نوع من أنواع العوائد الماليّة، وتُفرَض من قِبَل حكومة الدولة على مجموعة من القطاعات، ومنها الأعمال التجاريّة، مثل الخدمات والسلع من التعريفات الأخرى للضريبة أنّها مبالغ مالية تفرضها الحكومات من أجل الحصول على دعم ماليّ للخدمات التي تُقدّمها، وتُعتَبر الضريبة نوعاً من أنواع الالتزامات على الأشخاص والأعمال، وعادةً ما تُشكّل نسبةً مئويّةً من المال، ويتمُّ تحديدها مُسبقاً، وتقسم الضرائب إلى ضرائب مباشرة مثل ضريبة الدخل وضريبة رأس المال، وضرائب غير مباشرة مثل ضريبة المبيعات وضريبة الانتاج وضريبة القيمة المضافة، وتؤثر الضرائب على حجم النشاط الاقتصادي بالزيادة أو النقصان حسب الحالة القائمة في الاقتصاد الوطني للدولة.
٣- القرض العام: وهو أحد أدوات السياسة المالية، ويُعرَف على أنه عبارة عن مبلغ نقدي تستوفيه الدولة من الغير سواءً كان هذا الغير من الأفراد أم البنوك أم الهيئات الخاصة أم الدولية أم الدول الأخرى و تتعهد الدولة برده وبدفع الفائدة عنه وفقا لشروط معينة، كما ويُعرَف القرض العام على أنه مبلغ من النقود تحصل عليه الدولة من السوق الوطنية أو الخارجية و تتعهد برده و دفع الفائدة عنه وفقا لشروط معينة، وتستخدم القروض العامة لسد العجز الناجم عن زيادة النفقات على الإيرادات والتي بدورها تسهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي.
1- السياسة المالية التوسعية Expansionary Fiscal Policy:
تقوم الحكومة بتطبيق السياسة التوسعية في حالات الركود، وتعتمد هذه السياسة على زيادة السيولة في الدولة عن طريق زيادة الإنفاق الحكومي أو خفض الضرائب بهدف تحفيز الاقتصاد من أجل العودة للتوازن الاقتصادي والاجتماعي. كذلك يطلق عليها "السياسة التسهيلية".
2- السياسة المالية الانكماشية Contractionary Fiscal Policy:
تقوم الحكومة بتطبيق السياسة الانكماشية في حالات الفجوة التضخمية، وتعتمد هذه السياسة على خفض السيولة في الدولة عن طريق تقليل الإنفاق الحكومي أو رفع الضرائب أو الجمع بينهما بهدف خفض الطلب على من أجل العودة للتوازن الاقتصادي والاجتماعي. كذلك يطلق عليها "السياسة التشديدية".
تعد السياسة النقدية والسياسة المالية أداتين يعتمد عليهما إلى حد كبير في إنعاش النمو الاقتصادي والسيطرة على التضخم، ويختلط الأمر على الكثيرين بأنهما عبارة عن سياسة واحدة، وهذا غير صحيح ، والفرق بينهما على النحو التالي:
١- السياسة المالية هي الأنشطة التي تقوم بها الحكومة أو الجهاز التنفيذي داخل الدولة، بينما السياسة النقدية هي الأنشطة التي يقوم بها البنك المركزي داخل الدولة.
٢- تتعلق السياسة المالية بالإنفاق الحكومي والضرائب، بينما تتعلق السياسة النقدية بضخ أو كبح الأموال داخل الدولة.
٣- تهتم السياسة المالية بقياس النفقات الحكومية والضرائب، بينما تهتم السياسة النقدية بقياس أسعار الفائدة.
٤- تؤثر السياسة المالية في عجز الميزانية، بينما تؤثر السياسة النقدية على تكلفة الاقتراض والرهون العقارية.
٥- يعمل البنك المركزي بموجب السياسة النقدية بإستقلالية وشفافية وبمعزل عن عمل الحكومة بموجب السياسة المالية.
٦- كلا السياستين المالية والنقدية يستطيعان التأثير على حجم ومستوى الطلب الكلي من خلال قنوات مختلفة ولا يمكن استبدالهم، بل ويتم التنسيق فيما بينهم بهدف تحقيق النمو الاقتصادي.
روان وجيه نجار، ما هي السياسة المالية، منشور عبر: منصة موضوع، 18/6/2019.
محمد ابراهيم خلف، أطروحة مقدمة لنيل درجة الماجستير بعنوان "التداخل بين السياسة النقدية والمالية: دراسة حالة الأردن 2004-2014، كلية إدارة المال والأعمال، جامعة آل البيت، 2016، الأردن.
سامية البطمة، شيرين الباشا، مجمل في الاقتصاد، دائرة الاقتصاد - كلية الأعمال والاقتصاد- جامعة بيرزيت، 2017، فلسطين.
هيفاء غدير غدير، أهداف السياسة المالية، منشور عبر: منصة المرجع الإلكتروني للمعلوماتية، 30/1/2018.
هناء علي البشير بالحاج، أطروحة لنيل درجة الدكتوراة بعنوان: السياسة المالية ودورها في تحقيق التنمية الاقتصادية، كلية الحقوق – قسم القانون العام، جامعة عين شمس، 2016، مِصر.
نزار سعد الدين العيسى، ابراهيم سليمان قطف، الاقتصاد الكلي: مبادئ وتطبيقات، مطبعة الحامد، الطبعة الأولى، 2006، الأردن.
مهدي الناصر، مفهوم الانفاق الحكومي، منشور عبر: منصة الحل نت الإعلامية السورية، 19/5/2018.
محمد عبد الكريم الطرودي، تعريف الضريبة، منشور عبر: وكالة عمون الإخبارية، 12/5/2018.
فريال، ما الفرق بين السياسة المالية والسياسة النقدية، منشور عبر: منصة التداول بسهولة، 4/3/2021.
ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ
ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.
اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.