ادعمنا

البروليتاريا الرثة - Lumpen Proletariat

البروليتاري الرث هو الشخص الذي لا يملك أي دخل خاص به كالراتب الشهرى مثلاً أو يحصل على مساعدة اجتماعية من الدولة بأي شكل من الأشكال. وكما عرًفها فلاديمير إيليتش لينين-Vladimir Ilyich Lenin  فإنها تشمل الفئات المنفصلة أو الخارجة عن طبقتها وفي تناقض مع المجتمع كالمعدمون والمجرمون. هذا وحصل مصطلح البروليتاريا الرثة على انتشار واسع في ظروف تطور الرأسمالية التي تجندهم من مختلف الطبقات حسب التعبير اللينيني. وهي تتميز بعدم قدرتها على التنظيم السياسي والصراع الطبقي ولكنها تميل إلى المغامرة من أجل الإستيلاء على السلطة بالتحالف مع فئات البرجوازية الصغيرة.

كان الاستخدام الأول للكلمة لدى كارل ماركس- Karl Marx وفريدريك إنجلز- Friedrich Engels في مؤلَّفهما «الأيديولوجية الألمانية»، تشرين الثاني/نوفمبر 1845 – آب/أوغسطس 1846، بشكل عابر. وفي كتيبه غير المُكتمل عن «المسألة الدستورية في ألمانيا»، آذار/مارس – نيسان/أبريل 1847، يستعملها فريدريك إنجلز-Friedrich Engels  لأول مرة كمصطلح لتميز فئة خاصة من الطبقات عديمة الملكية التي قسمها إلى: «عمال زراعيين، وحرفيين مهرة، وعمال مصانع، وبروليتاريا رثة»، ويلاحظ بأنّ «البروليتاري الرثّ، لقاء حفنة من القروش، يقاتل بقبضتيه العزلاوين في المشاجرات بين البرجوازية، والنبلاء، والبوليس». 

أهم ما كان يميز فئة ”البروليتاريا الرثة“ عند ماركس إنها فئة تقع خارج علاقات الإنتاج الرئيسية في المجتمع (فلا تملك وسائل إنتاج ولا تبيع قوة عملها)، فهي توفر العيش لنفسها عن طرق مشبوهة وثانوية مثل السرقة والدعارة والقمار والتهريب والتشرد والقتل والسلب وغيرها. ومثل هذه الفئات موجودة في كل المجتمعات كما يشير ماركس إلى ذلك في “الأيديولوجية الألمانية” 1848، فقد وجدت في جميع العصور، والتي ظهرت بشكل واسع بعد إنتهاء القرون الوسطى، وكانت قد سبقت تشكيل الطبقة العاملة بشكل جماهيري”. 

إن ما تتميز به هذه الجماهير من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية والثقافية، هو مشترك وعام وشامل كبنية اجتماعية هامشية وطرفية خارج الكيان الاجتماعى للمنتجين، ولكن لها ثقلها المؤثر والسؤال الملح الذي يفرض نفسه، وينتظر الإجابة: ماهية الأسباب الكامنة وراء بروز وتشكل البروليتاريا الرثة بهذا الشكل الكثيف، والواضح؟

وكنتيجة لعملية التشرذم والتفتت الطبقي، والانتقال، أو إعادة إنتاج أنماط سابقة على الرأسمالية، تتعايش سوية مع نمط الإنتاج الرأسمالي فهو تابع وغير قابل للانفلات أو التطور المستقل،خارج منظومة الرأسمال المالي الكوني، الذي أنتجها ويعيد إنتاجها وسمسرتها وتبعيتها الدائمة لمراكز الإمبريالية القديمة والجديدة. إن مسألة الجذور الطبقية لهذه الكتلة من البروليتاريا الرثة، تضع أمامنا وجهات نظر في الأصول الاجتماعية لتلك المجموعات منها: انتماء تلك الفئات للأطر البروليتارية، والتي مازالت تحبو والبعض الأخر يعتقد أن هذه الفئة نصف بروليتارية  لأن أفرادها مرتبطون جزئياً بالإنتاج الزراعي.

 والبعض من الباحثين الماركسيين يعتبر الشرائح السفلي في المجتمعات المتخلفة، والبروليتاريا الرثة هي الروافد الرئيسية لتكوين البروليتاريا الحديثة في البلدان المتخلفة إن مشكلة الفئات المعدمة تعتبر نتاجاً طبيعياً وغير مباشر لتغول رأس المال العولمي، ولا يخرج عن إطار المشكلة الطبقية الأساسية وهي (صراع العمل-رأس المال)..لقد برزت مابعد المرحلة الاستعمارية، والتحرر السياسي الشكلي للمستعمرات السابقة، مجموعة كبيرة من المشكلات، ومن هذه المشاكل: ظهور مجموعة هائلة من البشر يعيشون في أوضاع أسوء بكثير من وضع البروليتاريا  مع أنهم لاينتمون طبقياً ومهنياً لطبقة البروليتاريا!..يفسر المنظر الثوري فرانز فانون- Frantz Fanon أسباب تشكل تلك الفئات الاجتماعية فيقول:"إن الفلاحين الذين لايملكون أرضاً والذين يطرح عليهم تزايد السكان مشكلة لاسبيل لحلها، يهجرون الريف ويفرون إلى المدن فيتكدسون في أكواخ ويحاولون أن يتسربوا إلى الموانىء والمدن التي أوجدتها السيطرة الاستعمارية فيكونون هناك البروليتاريا الدنيا." 

إنَّ مفهوم كارل ماركس- Karl Marx والذي يُشير إلى سيادة دكتاتورية الطبقة البروليتارية، لايعني محو الطبقات من وجودها الحياتي والاجتماعي ودورها في التنمية البشرية، وإنما جاء التعديل اللاحق: من كلِّ حسبٍ طاقته، ولكلِ حسب حاجته. كما جاء التعديل أيضاً، بأنَّ المثقفين هم شغيلة الفكر. وما دكتاتورية البروليتاريا إلا نتيجة لارتباط هذه الطبقة أكثر من غيرها بالإنتاج ووسائل الانتاج. 

ولقد تعدَّى التحوُّل البروليتاري لزماننا حقل العمالة اليدوية، وبمعنى أشمل؛ صار كل العاملين لكسب عيشهم، سواء بأيديهم أو بعقولهم كل هؤلاء الذين يتعيَّن عليهم بيع مهاراتهم ومعارفهم وخبراتهم وقدراتهم؛ قد صاروا جميعًا من البروليتاريا. ومن هذا المنظور؛ فإنَّ جُلَّ نظامنا الاجتماعي باستثناء طبقة محدودة، قد تحوَّل إلى بروليتاريا.

لقد جرى الانتباه لفئات البروليتاريا الرثة بشكل واسع مع دخول بعض البلدان الأوربية المرحلة الصناعية في القرنيين الثامن عشر والتاسع عشر، وظهور المدن الكبرى، وحتى هنا فإن دورها وأهميتها اختلفت بحسب البلدان التي أنجزت بطرقها الخاصة والفريدة أحياناً مرحلتها الصناعية. وتبرز هذه الفروق خصوصاً بين أهم بلدين في القارة وهما بريطانيا وفرنسا، حيث أن انتقال الفلاحين إلى المدن وتحولهم إلى طبقة العمال الحضرية في بريطانيا تم بشكل هادئ ومنسجم مع تطور الصناعة فيها، أما في فرنسا فقد أخذت هذه العملية أبعاداً أخرى بسبب العراقيل التي واجهت صناعتها، كذلك لكبر حجم طبقة الفلاحين فيها. ولا شك أن وجود البروليتاريا الرثة وفعاليتها يظهر فقط في المدن، وخاصة في المدن الكبرى، فهي في هذا الخصوص من الفئات الحضرية بإمتياز.

ولم يكن في أطوار الرأسمالية الأولى أو حتى قبلها إمكانية استيعاب مدن يتجاوز عدد قاطنيها عدداً محدداً من السكان. فالمشكلة العتيدة التي استمرت لقرون عديدة منذ استقرار بعض المجتمعات الزراعية في أرض محددة بحدود القرن العاشر قبل الميلاد، كانت تتعلق بمشكلة تأمين الغذاء لسكان المدن الأولية التي كان يعتمد سكانها على المنتجات الزراعية القريبة من حولهم. فليس اعتباطاً على سبيل المثال أن حدد أفلاطون الحجم الأمثل لسكان المدينة (الدولة) عندهم بـ 5040 من المواطنيين. 

لم تكن المدن ممكنة قبل اكتشاف الزراعة واستقرار الناس في المكان، فكانت هناك جماعات هائمة يجمعها الصيد والقنص من أجل الحصول على غذائها. ومنذ ذلك الحين كانت مشكلة العدد المناسب للجماعة من المسائل المهمة التي تقرر بالتالي مسألة استمرار الجماعة وإمكانية بقائها، فلم يكن بالإمكان زيادة عدد أعضاء مثل هذه الجماعات عن العشرة أو العشرين من الرجال والنساء، ولا يتم قبول أعضاء جدد بسبب ندرة مصادر الصيد وصعوبته. فكانت تهيم في الأرض من مكان إلى آخر للحصول على غذائها. كما لم يوجد بينهم أي نوع من تقسيم العمل، فلا وجود لزعيم أو رئيس، ويتقاسمون ما يحصلون عليه بالتساوي، إذ أن أي نوع من عدم التساوي يعني موت بعض أفرادها بسبب الجوع. وربما عنى ماركس بمثل هذا النوع من التشكيلات الاجتماعية الأولية بالشيوعية البدائية.

ومع ظهور الزراعة واستقرار الناس في المكان لفترة قبل أن تبور الأرض الزراعية والتفتيش عن أخرى، وإمكانية تراكم فائض الإنتاج الزراعي وحفظه لمواسم قادمة، أصبح من الضروري إجراء نوع من تقسيم العمل، بحيث أصبح بإمكان الجماعة التخلي عن بعض أفرادها من العمل بإنتاج الغذاء لأعمال أكثر أهمية لبقاء الجماعة. 

لا يشكل الناس الهامشيون في المدن طبقة بحد ذاتها بل أنهم فئات اجتماعية من بقايا الطبقات الذين تغيرت مكانتهم في المجتمع. وليس بالضرورة أن تكون هذه الفئات فقيرة، بمعنى أنها لا تمتلك قوتها اليومي، بل إن من بينهم من يملك ثروات طائلة بحيث لا يمكن مطلقاً وصفهم بالفقر. إن ما يجعلهم في منزلة واحدة تقريباً هو ثقافتهم وأسلوب معيشتهم وطريقتهم في كسب المال، التي لم تكن دائماً مشروعة، كما تضم هذه الفئة أيضاً العاطلين عن العمل أو الذين يرفضون العمل أو العمال المؤقتون الذين يغيرون عملهم بحسب الحاجة والطلب.

وهناك إشارات واضحة إلى وجود هذه الفئات في كل المراحل التي سبقت الرأسمالية الصناعية. فأفلاطون في “الجمهورية” بمعرض حديثه عن الديمقراطية، كان قد أطلق على هذه الفئات نعت ذوي ”العلة الطفيليون“ parasitic drones، فكتب بأنه بالتناقض مع ”الشعب“ الذي يطمح بالضرورة إلى الإنتاج لأنهم جديرون به، فإن ذوي العُلة يكونون ”حشد من طموحات غير نافعة“. وقصد أفلاطون بهذه الفئة العبيد والمرتزقة الأجانب ”السابحون فى كل البحار“، المحرضون للشعب ضد الأغنياء. ويخلص أفلاطون إلى أن ذوي العلة لا يندمجون في أى جسم سياسي سليم، بل ينبغي من وجهة نظره استئصالهم منه؛ أنهم يهيجون النظام برمته مثل الصفراء فى الجسم، وينبغي على الطبيب الماهر والمشرع أن يحتاطوا منهم، مثل مربي النحل الحكيم الذي يحتاط من عضاتهم، وإذا ما فعلوا ذلك، ينبغي التخلص منهم ومن خلاياهم.

وجاء مصطلح الرعاع Mob من الأصل اللاتيني Mobile vulgus، الذي يعني أيضاً الناس العاديين المتمردين أو المشاغبين. وخلال مراحل تاريخية كبيرة قبل الرأسمالية ظهرت هذه الفئات في المدن بين أوساط الفقراء والمتسولين والقوادين والمقامرين واللصوص وقطاع الطرق والقتلة وغيرهم، إلا أن دورهم كان محدوداً بفعل ندرة حركة الناس جغرافياً، وصغر المدن وأسوارها وتنظيمها المتقن وحذرها من المتطفلين والغرباء. لكن الظروف التي جاءت بها الرأسمالية في أطوارها الأولى من ازدياد حجم سكان مدنها، وهجرة سكان الريف الواسعة لها، وازدياد الفوارق بين دخول أفرادها، وإفقار شرائح واسعة من سكانها، جعل هذه الفئات تلعب دوراً اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً مميزاً. ولم يكن من الممكن دراسة هذه الفئات، إلا بعد أن أصبحت ظاهرة متأصلة في الطور الأول من الرأسمالية. لكن التطور الرأسمالي اللاحق كان قد أدمج الجزء الأكبر منها، من خلال تحويلهم إلى الطبقات الحديثة للمجتمع الصناعي، وعلى الخصوص إلى الطبقة العاملة.

وقد ظهر الاهتمام في دراسة دور الفئات الهامشية أو الرثة في منتصف القرن التاسع عشر، عندما أصبح لهذه الفئات دور سياسي مؤثر في التغيير السياسي الذي عرفته المجتمعات الأوروبية فى تلك المرحلة، ومما أعطى هذه الفئة امتيازاً يعود إلى أن الصراع بين الطبقات والفئات والنخب السياسية أخذ بسرعة قالباً راديكالياً حاداً، وكذلك بسبب وجود طبقة فلاحية كبيرة نسبياً. وربما تتمحور أغلب هذه الدراسات حول مفهوم البروليتاريا الرثة لكارل ماركس- Karl Marx لكن هذا لا يعني بأن فلاسفة ومفكرين قبل ماركس كانوا قد أشاروا فى كتاباتهم إلى هذه الفئة. (هيغل) في إطار مناقشته حول الثروة والفقر في كتابه فلسفة الحق، كان قد أكد أنه من الممكن لنوع معين من الجمهور، تهديد النظام السياسي والاجتماعي القائم. ويتكون هذا الجمهور من الجماعات الكسولة والهامشية ومن الأقليات. وكتب بأن الفقر في حد ذاته لا يحول الإنسان إلى غوغاء، ويظهر الغوغاء فقط عندما يرتبط الفقر باستعداد عقلي، مثل السخط الداخلي ضد الأغنياء وضد المجتمع وضد الحكومة.

كما وردت الإشارات لهم في كتابات چان چاك روسو- Jean-Jacques Rousseau وتوماس بين-paine Thomas وفرانتز فانون-Frantz Fanon وغيرهم، ولدى بعضهم حصل خلط واضح بين مفاهيم “الشعب” و”الرعاع” التي تداخلت لوصف هذه الفئات. فالمفكرون اليساريون المؤيدون للثورة أطلقوا عليهم نعوتاً ايجابية كالشعب أو الجماهير. وقد نعتهم المؤرخ هيبليت تاين Hippolyte Taine في كتابه "تكوّن فرنسا المعاصرة  بالكسولين، والمخادعين، والطفيليين، والمغامرين، والأشقياء، والمتمرسين والجريمة،.. ودهماء المدن،.. والفلاحين الكارهين دفع رسوم الدخول، والمشردين، والمهربين، والهاربين من العدالة، والهائمين الأجانب، والمجرمين.

 

المصادر والمراجع:

سناء مصطفى، سيطرة البروليتاريا الرثة على إدارة الإقتصاد الوطني العراقي، صحيفة الزمان، 15 سبتمبر 2018.

د.أسامة دليفان، حثالة للبروليتاريا حية ترزق..وتخرب، جريدة قاسيون، 12 حزيران 2016.

ماجد الشمري، البروليتاريا الرثة البعد الاجتماعى والسياسة للمفهوم، الحوار المتمدن، 4 يونيو 2016.

ريسان الخزعلى، البرجوازية والطبقات، جريدة الصباح، 28 تموز 2020.

سعد عبد الرازق، مفهوم البروليتاريا الرثة لدى ماركس، الحوار المتمدن، 22  أبريل 2019.

إيما غولدمان- Emma Goldman ، بؤس البروليتاريا الثقافية، نقله إلى الغربية عبدالرحمن أبو ذكرى، مركز نماء للبحوث والدراسات، 19 يناير 2016.

  Hippolyte Adolphe Taine,’The Origins of Contemporary France’, The French Revolution, 2 Vols., trans. John Durand, Henry Holt, New York 1896.

Peter Hayes, “The people and the mob: the ideology of civil conflict in modern Europe”, PRAEGER Westport, Connecticut – London, 1992.

Eric Hobsbawm,’The Age of Revolution 1789-1848’, Weidenfeld & Nicolson, London 1995.

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia