ادعمنا

التعذيب - Torture

يعتبر التعذيب احدى أبشع وأخطر الممارسات المنتهكة لحقوق الانسان كونها تمس سلامته البدنية أو النفسية أو العقلية وبصورة مباشرة. ويعد التعذيب احدى الممارسات المستخدمة من قبل السلطات والحكومات في مواجهه معارضيها وخصومها أو حتى مواطنيها كوسيلة للحصول منهم على اعترافات أو صورة من صور العقاب واياً كانت أسبابه فهو فعل غير انساني مرفوض أخلاقيا وتعمل القوانين الدولية والمحلية على تجريمه وعرض مرتكبه للمساءلة القانونية. 

 

تعريف التعذيب:

التعريف اللغوي: ورد تعريف كلمة التعذيب في معجم اللغة العربية المعاصرة: عذب يعذب، تعذيبا، فهو معذب، والمفعول معذب. عذب المتهم: عاقبه عقابا مؤلما جسديا أو نفسيا -تعذيب النفس أقوى من تعذيب البدن.

أما التعريف الاصطلاحي للتعذيب فقد جاء نص المادة 1 في إعلان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة :" يقصد بالتعذيب أي عمل ينتج عنه ألم أو عناء شديد، جسدياً كان أو عقلياً، يتم إلحاقه عمداً بشخص ما بفعل أحد الموظفين العموميين، أو بتحريض منه، لأغراض مثل الحصول من هذا الشخص أو من شخص آخر على معلومات أو اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، أو تخويفه أو تخويف اشخاص آخرين، ولا يشمل التعذيب الألم او العناء الذي يكون ناشئاً عن مجرد جزاءات مشروعة أو ملازماً لها أو مترتباً عليها، في حدود تمشى ذلك مع القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء. 

 

ما يدخل ضمن مفهوم التعذيب: 

لا يقتصر مفهوم التعذيب على الألم أو الأذى الجسدي فقط بل يمتد ليشمل المعاناة النفسية. ويرى وليم نجيب نصار في كتابه " مفهوم الجرائم ضد الإنسانية في القانون الدولي عندما تحدث عن ماذا يشمل التعذيب بأنه وبالرغم من أن التعذيب هو ما يؤدي إلى ألم أو عذاب شديد جسدياً، إلا أنه أرتبط في كافة المواثيق الدولية بكافة أشكال المعاملة اللاإنسانية والمهينة أو الحاطة بالكرامة، بما في ذلك العقوبات القاسية ويشمل التعذيب كذلك المعاناة النفسية كالتهديد لأفراد العائلة أو المقربين أو المحبين للشخص. 

وأشارت كذلك منظمة العفو الدولية إلى أن التعذيب قد يكون ذو طبيعة جسدية أو نفسية وأضافت التعذيب ذو الطبيعة الجنسية مثل الاغتصاب والإهانة الجنسية.

 

التعذيب على مر العصور: 

أسهب وليم نجيب نصار في كتابة "مفهوم الجرائم ضد الإنسانية في القانون الدولي " في الحديث عن تاريخ التعذيب بداية بالعصر القديم وانتهاء بالعصور الحديثة في إشارة واضحة على ان التعذيب كان متجذرا في تاريخ الانسانية مع اختلاف أساليبه والغرض من ممارسته فقد مُرس في العصر القديم من أجل تحقيق التحول الديني والسياسي فيما عُرف بـ “إعادة التثقيف " وبنسب تهم تهديد القواعد الإيمانية للمجتمع وكان يمارس بصورة رسمية من الأنظمة السياسية أما للحصول على معلومات أو الترهيب او القسوة والعقاب. وسمحت بالتعذيب نصوص القوانين ومنها قانون روما حيث اعتبرت التعذيب قانوني في حق المتهمين ومنعته في مواجهه الشهود إلا إذا كانوا عبيدا وعادت لاحقا لتمارسه كذلك ضد الأحرار بتهمه التعدي على الذات الملكية أو السيادية كجريمة خيانة للدولة. واستمر ممارسة التعذيب حتى بانتهاء العصر القديم وبداية العصور الوسطى في أوروبا والدولة المملوكية في مصر وبصورة رسمية وقانونية ضمن أنظمتها القضائية وتصاعد استعماله في القرون الوسطى لمحاربة الهرطقة والتفسيرات الدينية التي تؤثر على نظام الحكم الديني تحت مسمى " جرائم التعدي على الذات الملكية الإلهية " وكانت فرنسا من اول الدول التي أقرت اللجوء إلى التعذيب ضمن نظامها القضائي ولحقتها باقي الدول الأوروبية عدا إنكلترا التي كانت يمارس فيها التعذيب بناءً على قرارات ملكية 

ومن أساليب التعذيب الممارسة حينذاك في دول أوروبا: الضرب، الجلد، تقطيع الأوصال والوسم، السجن بعزل انفرادي، الدفن حياً أو الإعدام بالشنق، التجويع، الإغراق، الحرق أو السلق، الكسر على عجلة الكسر وغيرها 

وامتدت هذه الممارسات لكافة الأنظمة والدول في العالم وكان من أسوأ سجلات تاريخ التعذيب لهذه الحقبة هو ما تم ممارسته في مصر في عهد الدولة المملوكية من اجل إخضاع الشعب ومُرس فيها الكسر، العصر، التسمير، قطع الأوصال، الكي، التعليق بالكلاليب، السلخ، الخوزقة، بتر الأعضاء، قطع الأعضاء التناسلية، رش الملح على الجرح أو صب الخل عليها، خلع الاسنان ثم دقها في رأس الضحية وغيرها من أساليب التعذيب الأخرى.

جاءت بعدها العصور الحديثة وجاء عصر التنوير برفضة للتعذيب ومحاربة وجوده وأًوقف التعذيب رسمياً في العديد من دول أوروبا منذ القرن السابع عشر ورغم توقف التعذيب رسميا واعتبار ارتكابه انتهاكا للقانون الدولي، يرى بعض المؤرخين أن التعذيب منتشر في القرن العشرين أكثر من أي وقت مضى خاصة بعض التطورات الطبية والتكنولوجية التي ساهمت في إيجاد وسائل تعذيب نفسية متطورة منها عقاقير الهلوسة وغيرها واكتشاف الباحثين لمدى التأثر النفسي للشخص وبذلك وجدت أساليب تعذيب لا تترك أثارا مرئية على جسد الشخص ويسهل بها انكار ارتكاب جرائم تعذيب . وما زالت منظمات حقوقية عالمية حتى اليوم ترصد العديد من جرائم التعذيب الخفي في العديد من أنظمة ودول العالم منها منظمة العفو الدولية.

 

تجريم التعذيب في القوانين الوطنية:

جاء نص المادة 2 من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة:" 1-تتخذ كل دولة طرف إجراءات تشريعية أو إدارية أو قضائية فعالة، أو أية إجراءات أخرى لمنع أعمال التعذيب في أي إقليم يخضع لاختصامها القضائي." 

بناءً على نص هذه المادة فإن الدول الموقع على اتفاقية مناهضة التعذيب ملزمة بأن تعد قوانينها الوطنية بما يتوافق مع الاتفاقية لمنع التعذيب وتجريمه ويصبح التعذيب جريمة قانونية تم تجريمه قانونياً وبشكل رسمي حتى وأن أستمر التعذيب ممارساً في بعض الدول إلا أن ممارسته ليست قانونية أو رسمية بل جريمة يعاقب عليها القانون الوطني والدولي فتعمل الأطراف المنتهكة لهذا القانون أما على إنكاره أو إخفاء ارتكابه حتى لا تتعرض للمساءلة القانونية وهذا ما أكدت عليه نص المادة 4 من ذات الاتفاقية :" 1-تضمن كل دولة طرف أن تكون جميع أعمال التعذيب جرائم بموجب قانونها الجنائي ، وينطبق الأمر ذاته على قيام أي شخص بأية محاولة لممارسة التعذيب وعلى قيامه باي عمل آخر يشكل تواطؤاً ومشاركة في التعذيب . 

2-تجعل كل دولة طرف هذه الجرائم مستوجبة للعقاب بعقوبات مناسبة تأخذ في الاعتبار طبيعتها الخطيرة." 

ولا يجوز للدولة أن تسمح بالتعذيب تحت أي ظرف أو أن تتذرع بوجود ظروف استثنائية وهذا ما نصت عليه المادة 3 من إعلان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة: “لا يجوز لأي دولة أن تسمح بالتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة، أو أن تتسامح فيه. ولا يسمح باتخاذ الظروف الاستثنائية مثل حالة الحرب أو خطر الحرب أو عدم الاستقرار السياسي الداخلي أو اية حالة طوارئ عامة أخرى ذريعة لتبرير التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة." 

وبالرغم من المنع الدولي للتعذيب إلا انه من الصعب الملاحقة القضائية الدولية، حيث أن الدول تستوعب القانون الدولي في قوانينها الوطنية في أشكال مختلفة وتعريفات متنوعة، وحتى عقوبات غير متماهية مع المقصود في القانون الدولي، مما يجعل الملاحقة القضائية الوطنية غير ممكنة، خاصة أمام إنكار بعض أعمال التعذيب. 

 

هل يجدي التعذيب نفعاً؟ 

بالرغم من اختلاف أساليب التعذيب إلا أن الغرض من التعذيب تتشابه إلى حد كبير حيث يستخدم التعذيب غالباً لترهيب الناس وإخضاعهم والحصول منهم على اعترافات وأقوال والحصول على معلومات. 

إلا أن المعلومات التي يتم الحصول عليها بهذه الطريقة لا يعول عليها لأن الناس سيقولون أي شيء تحت التعذيب لمجرد وقف الألم. فسيقولون ما يعتقدون أن جلاديهم يريدون سماعه وبموجب القانون الدولي، لا تُعتبر الاعترافات المنتزعة تحت وطأة التعذيب دليلاً. ومن الناحية القانونية، فإن الحظر المطلق للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة “غير قابل للتقييد” – وهذا يعني أنه لا يمكن تخفيفه حتى في أوقات الطوارئ. 

 

المصادر والمراجع:

معاجم الوجيز معنى التعذيب في معاجم اللغة العربية، دون تاريخ، تاريخ اخر دخول 16/11/2021 الساعة 16:22 

د. محمود شريف بسيوني، الوثائق الدولية المعنية بحقوق الأنسان (المجلد الأول)، دار الشروق، الطبعة الأولى، 2003م.

منظمة العفو الدولية، التعذيب.

وليم نجيب نصار، مفهوم الجرائم ضد الإنسانية في القانون الدولي، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الثانية ،2014م 

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia