ادعمنا

الحراك - Mobility

يُعرف علم الاجتماع بكونه الدراسة العلمية للمجتمعات، بهدف التوصل لقوانين التطور التي تخضع لها هذه المجتمعات الإنسانية في تقدمها وتغيرها، ويُقسم علماء الاجتماع هذا العلم - في صورة شبه إجماع -  إلى عدة موضوعات أساسية للدراسات الاجتماعية، وهي دراسة؛ الظواهر الاجتماعية، العمليات الاجتماعية، الثقافة، التغير في الثقافة وفي البناء الاجتماعي. 

وقد قسّم أوجست كونت Auguste Comte مؤسس المدرسة الوضعية، وأحد أهم رواد علم الاجتماع، موضوع علم الاجتماع إلى، دراسة الظواهر الاجتماعية في حالتي حركتها وسكونها، وبالتالي؛ فرعين من هذا العلم، فرع الثبات والاستقرار الاجتماعي؛ ومجال اهتمامه النظام، والعلاقات المتبادلة بين النظم الاجتماعية، والتوافق الاجتماعي. وفرع  التطور أو الحراك الاجتماعي، حيث يرى كونت أن المجتمع فیه ثابت ومتغیر أو متطور، وإذا كان فرع الاستقرار الاجتماعي في علم الاجتماع، یهتم بدراسة قضیة النظام، فإن فرع الحراك الاجتماعي یعنى بدراسة التطور.

ومن ثم، فإن عملية التغير في البناء الاجتماعي، من خلال التطور أو الحراك الاجتماعي، تمثل إحدى الموضوعات الرئيسية والأساسية للدراسات الاجتماعية.

 

التعريف اللغوي:

إن مفهوم الحراك، بفتح الحاء، اسم مُشتق لغويًا من فعل ثلاثي، أصله حرك، أو بالتشديد حرَك، ويعني الحركة، والتي تعبر عن كل مظهر عام من مظاهر النَّشاط، وهي بذلك ضدّ السكون.

ويقابلها باللغة الإنجليزية Mobility ، بمعني فعل التنقل من مكان إلى آخر، كدلالة  سوسيولوجية على التحرك من طبقة إلى أخرى، وأشارت إحدى الدراسات أن الحراك تقابله أيضًا باللغة الإنجليزية لفظة Movement، كدلالة على الحركة الاحتجاجية والنضال السياسي من أجل تغييرالوضع السائد إلى وضع أكثر استقرارًا، أي حراك سياسي واجتماعي ضمن المكان نفسه.

 

التعريف الاصطلاحي:

الاستخدام الأكبر لمصطلح الحراك في العلوم الاجتماعية هو استخدامه مقترنًا بالصفة الاجتماعية، أي "الحراك الاجتماعي Social Mobility"، والذي يشير إلى ”إمكانية تحرك الأفراد أو الجماعات إلى أعلى أو إلى أسفل في الطبقة أو المكانة الاجتماعية“، وذلك في هرم التدرج الاجتماعي أو في إطار النسق الاجتماعي، أي الانتقال من وضع اجتماعي إلى آخر داخل البناء الاجتماعي للمجتمع، ویرتبط بهذا الانتقال - في العادة - تغیُر في مستوى وظیفة ودخل الفَرد.

بينما شاع أيضًا داخل أدبيات العلوم السياسية، وعلم الاجتماع السياسي، استخدام مصطلح "الحراك السياسي"، للإشارة  إلى "عملية يتم فيها التحرك من موقف سياسي إلى أخر"، وغالبًا ما تشمل الاتجاه نحو تفاعل شعبي وسياسي واجتماعي، يتبلور على قاعدة إبراز قضية سياسية واجتماعية في المجتمع، والنضال من أجلها، دون اعتبار لرضا السلطة القائمة عن هذا الانتقال أو التحول أو الحراك.

 

أولًا: الحراك الاجتماعي:

الاستخدام الأوسع كما سبق الإشارة لمفهوم "الحراك" نجده داخل علم الاجتماع، حيث يتصل الحراك الاجتماعي داخل مجتمع ما، بانتقال الفرد أو مجموعة من الأفراد من مستوى طبقي إلى مستوى آخر، مما يدلل على أن الحراك الاجتمـاعي يتطلـب وجود مجتمعًا طبقيًا.

 وتتميز ظاهرة "الحراك الاجتماعي" باعتبارها ظاهرة جديدة داخل المجتمع الحديث، بل هناك من يرى أنها أحد المقومات الرئيسية في المجتمع المتحضر، الذي يتميز عن المجتمع التقليدي الإقطاعي كمجتمع مغلق،  لا يتحرك فيه الفرد خارج الجماعة التي ينشأ فيها،  لوجود حواجز اجتماعية تربط الفرد بجماعته.

وقد میّز علماء الاجتماع بین أشكال كثیرة من "الحراك الاجتماعي" داخل البناء الاجتماعي للمجتمع المعاصر، ومن أهم تلك الأشكال، التمییز بین "الحراك الاجتماعي الصاعد" و "الحراك الاجتماعي الهابط"؛ الذي یُشیر إلى هبوط الفرد من مستوى طبقي أعلى إلى مستوى طبقي أدنى، كأن ینتقل الفرد من طبقة علیا إلى طبقة متوسطة، مثل تدهور الحال لدى بعض الأثریاء والأغنیاء نتیجة أزمة اقتصادیة معینة وانحدارهم إلى مستوى طبقي أقل.

وتمثل نظريات أو الاتجاه النظري حول الصراع الاجتماعي، أهم الاتجاهات النظرية التي يتم الاعتماد عليها في دراسة الحراك الاجتماعي، والتي تعنى بالبحث حول؛ أسباب الصراعات القائمة داخل البناء الاجتماعي. وتعد دوافع حالة الاستياء وعدم الرضا من المحرومين واستيائهم، سبب أساسي في تشكل فعل الصراع، وبالرغم من أن الحرمان يرتبط بالمتغير الاقتصادي في المقام الأول، إلا أنه لا يقتصر عليه، فالجماعات ترتبط بها مصالح أساسية، والتي تدفع بالأساس إلى الصراع حولها، أي أن الناس يناضلون من أجل تحقيق مصالحهم، ومع اقتران ذلك بمستوى من "الإدراك" يتولد فعل الصراع.

 

ثانيًا: الحراك السياسي:

يـتداخل مفهوم الحراك السياسي داخل أدبيات العلوم السياسية، مع غيره من المفاهيم ذات العلاقة، مثل مفاهيم؛ التحرر السياسي، والتغيير السياسي، والتحول الديموقراطي، والحراك الاجتماعي، والتعبئة الاجتماعية، ومع قلة استخدامه داخل الأدبيات السياسية الراسخة التي يمكن الاعتماد عليها، نجد أنه لا يوجد تعريفًا متفقًا عليه بين الباحثين لمفهوم الحراك السياسي.

 بينما يمكن الإشارة إلى التعريفات التي استخدمتها بعض الدراسات، مثل أنه يمكن تعريف الحراك السياسي، باعتباره "تأثير مجموعة من الأفراد والجماعات في حركة النظام السياسي"، وأنه في الإغلب يتضمن عملية من التفاعل بين نوعين من القوى، وهما؛ القوى الدافعة للحراك، والقوى المقاومة أو المعارضة للحراك، بينما تشير دراسة أخرى إلى أن مفهوم الحراك السياسي هو مفهوم مركب من مفهومين، الأول "حراك" أي الانتقال من موضع إلى أخر وفق معيار ما، والثاني بوصفه "سياسي"، له علاقة بكافة جوانب العملية السياسية، ومع تنوع الاتجاهات السياسية، يصبح التحول الديموقراطي هو السبيل الوحيد والنتيجة الطبيعية لعملية الحرك السياسي وفقًا للاتجاه اللبيرالي، بينما الصراع هو الطريق الوحيد لعملية الحراك السياسي، الذي يؤدي إلى الثورة الشاملة، وصولًا إلى التغيير الجذري، وفقًا للاتجاه الماركسي.

وأشارت الدراسات إلى وجود مكونات عديدة تلعب دورًا في تفعيل وتنشيط حالة الحراك السياسي داخل المجتمعات، وتختلف أهمية أي من هذه المكونات عن الأخرى باعتبارها  قنوات تتراوح بين الرسمية وغير الرسمية في القيام على العمل السياسي، ومن أهم هذه المكونات؛ 

- الأحزاب السياسية: من خلال قيامها على عدد من الوظائف الرسمية لإحداث الحراك السياسي بالأساس، مثل وظائف التجنيد السياسي والتنشئة السياسية والمنافسة على السلطة. 

- المؤسسة العسكرية: فالمؤسسة العسكرية داخل العديد من النظم السياسية، ليست مؤسسات يتركز نشاطها على الأمن والدفاع فقط، بل في الوقت نفسه، هي مؤسسات سياسية مهمة أثناء العمليات السياسية، سواء حراك أو انتقال أو تغيير سياسي، بل قد تعمل على تقديم نفسها كبديل عن التنظيم السياسي.

- المظاهرات والاحتجاجات: التعبئة السياسية من خلال استخدام الفضاء العام والعمل الجمعي، أهم الأليات التي تستخدمها القوى السياسية والاجتماعية لرفع المطالب وتحقيق أهدافها، من خلال ممارسة الضغوط على السلطة القائمة، خصوصًا مع انسداد القنوات الشرعية والمؤسسية أمام هذه المطالب.

- حملات التأييد أو التعبئة السياسية: الجهد المنظم من خلال الحملات ذات الأغراض السياسية لدعم مرشح ما لموقع سياسي أو غيرها من الأهداف. 

في الأخير، يلفت قطاع من الأدبيات أن "الحراك السياسي" هو في الأصل "حراكاً اجتماعيًا"، يمكن أن يُطلق عليه "حراك اجتماعي سياسي Soico -Political Mobility " باعتباره مفهوم شامل ومركب، وذلك على أساس أن الحراك كمفهوم يشير إلى الانتقال وضد السكون في المجالين؛ السياسي المرتبط بالممارسة السياسية، والاجتماعي الذي يجعل الجماعة الاجتماعية في صلب الحراك، لتحقيق أهداف معينة.

 

المصادر والمراجع:

مزروع الطاهر، محاضرات في مدخل علم الاجتماع، جامعة فرحات عباس: كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير، 2018.

عبد القادر بو عرفة، الحراك الشعبي بالجزائر: الدوافع والعوائق، مجلة العلوم الاجتماعية لجامعة وهران 2 بالجزائر، 2019.

أمانى قنديل، الحراك الاجتماعي في مصر: محاولة للفهم، 2019.

مناور عبد اللطيف العتيبي، أطروحة مقدمة لنيل درجة دكتوراة بعنوان: الحراك السياسي وأثره على الاستقرار في دولة الكويت (2006-2012)، جامعة الشرق الأوسط: كلية الآداب والعلوم، 2013.

كاوجة محمد الصغير وكوشي ابتسام، الحراك الاجتماعي وعلاقته بالمتغيرات المجتمعية للمجالات الاجتماعية في المدينة الجزائرية، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية.

محمد عبد الكريم الحوراني، ديناميكيات المواجهة بين الحراك الشعبي والدولة في الأردن: مقاربة من منظور الصراع االجتماعي التحليلي، جامعة اليرموك: كلية الآداب، 2015.

على الزغبي، السياسات التنموية وتحديات الحراك السياسي في العالم العربي: حالة الكويت، مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية، 2015.

حامد عبد الرحمن حامد بدر، أطروحة مقدمة لنيل درجة دكتوراة بعنوان: تأثير الانترنت على استخدام الشباب الجامعي للتليفزيون في متابعة الحراك السياسي المصري،  جامعة المنصورة: كلية الآداب، 2018.

أحمد السعيد الهجرسى، الإعلام الاجتماعي والحراك السياسي للمصريين بالخارج: دراسة على عينة من أعضاء هيئة التدريس المصريين بجامعة بيشة ، جامعة بنها: كلية الآداب.

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia