مقال أكاديمي محكم
ان من شأن بعض الحقائق التي افرزها الواقع العراقي، وما طفى على سطح الاحداث، ومن خلال استقراء الغاطس منها ان تمنحنا بعض الاستنتاجات لما ستكون عليه العلاقات العراقية الايرانية مستقبلاً، أخذين بنظر الاعتبار الوجود الامريكي المباشر او غير المباشر على الارض العراقية، وأبرز هذه الاستنتاجات هي:1.أن من ابرز حقائق العلاقات الدولية بين الدول هو أن المصالح القومية والضرورات الاستراتيجية هي التي تحدد الصراع بين الدول القومية، كما أن تركيبة النظام السياسي الداخلي وميوله الايديولوجية هي التي تلقي بظلالها على طبيعة السلطة السياسية فيه، الا أن طبيعة العلاقات بين ايران والعراق تتعارض مع هذا النمط الراسخ من التحليل، فكلا الدولتين كانتا قد اصطدمتا بسبب حدودهما الاقليمية، وكل منهما تنظر الى الاخرى بعين الطموحات الاقليمية، وعملتا على دعم الاطراف المحلية الاكثر ميلاً لرغبتها. بيد أن الافتراض ان ايران والعراق ماضيتان حتماً نحو التصادم وأن علاقاتهما سوف تشهد توتراً وصراعاً، لهو قراءة مضللة للتاريخ . فقبل ثورة 14 تموز 1958 عمل نظاما الحكم في البلدين على اقامة علاقات حميمة، ولم تؤد الطبيعة الايديولوجية المختلفة لكلا النظامين خلال السنوات اللاحقة الى مضاعفة مشكلاتهما. في حين أدركت حكومة الشاه أن العراق الراديكالي المتطرف يشكل تهديداً لايران لا بسبب قدراته، وأنما بسبب توجهاته السياسية المتطرفة. وبالمعنى نفسه أن نظام صدام العلماني وجد في الاصولية الاسلامية الخمينية تحدياً له، لا بسبب قدرات القوات المسلحة الايرانية، وانما بسبب جوهر مفاهيمها. وضمن هذا السياق فأن كل القضايا الاقليمية غير المحلولة اخذت شكل تهديدات أكثر خطورة، ونظر اليها على أنها اشارات لوضع عدائي. وبعد برهة وجيزة جعلت طموحات صدام والخميني، والاطماع الاقليمية لكلتا الدولتين المتصارعتين، وايديولوجيتهما المتنافرة، جعلت من الحرب الطويلة بينها امراً محتماً .2.أن النفوذ الايراني في العراق يوفر لايران فاعلية مهمة في التعامل مع الولايات المتحدة، والقوى الغربية، فالأخيرين يعتقدون أن ايران ستنتقم منهم في حالة قيامهم بضرب مفاعلاتها النووية، الامر الذي سيدفع بالامريكان وحلفائهم في العراق للرد على مثل هذه "المغامرة" الايرانية، وستصبح الارض العراقية "منطقة قتل" بين الطرفين. وضمن هذا السياق هناك بعض الطروحات التي ترى أن الولايات المتحدة الامريكية اذا ما قامت بضرب المفاعلات النووية الايرانية، فأن النفوذ الايراني في العراق سيظهر قدرة انتقامية عالية ضد الامريكان. وقد حدد يحيى رحيم صفوي رئيس الحرس الثوري الايراني خيارات ايران تلك بوضوح قائلاً: "أن الامريكان يعرفون جيداً أن مراكزهم العسكرية في كل من أفغانستان، وخليج عمان، والخليج.... ، والعراق تكون تحت تهديدنا، وقد تكون عرضة للهجوم لانها تقع بجوار ايران" . ومع ذلك بالامكان القول أن النفوذ الايراني في العراق ليس مصمماً بالضرورة للهجمات ضد الامريكان وحلفائهم، على الرغم من انها توفر لنظام الحكم في ايران العديد من الخيارات اذا ما تدهورت العلاقات الايرانية-الامريكية على نحو ملحوظ.3.أن النموذج الايراني في التدخل في الشؤون الداخلية العراقية مستمد من التجربة الايرانية في لبنان المعروف بتنوعه الاجتماعي، ووجود شيعة فيه، فقد كانت استراتيجية ايران في لبنان هي "ارسال مساعدات اقتصادية ومالية للشيعة هناك لكي يصبحوا مرتكزاً لايران في هذا البلد" حسب وجهة نظر بعض السياسيين الامريكان، فأصبح الوجود الايراني، والحال هذه، يشكل هاجساً مقلقاً لكل من يحاول أن يحل المشكلات اللبنانية. ومع ذلك فأن الوجود الايراني في ايران تجنب المواجهة مع الامريكان، وان اسهم بدرجات مختلفة، وعلى نحو مباشر او غير مباشر في المواجهة ضد اسرائيل في الحرب الاخيرة على وفق ما يذهب اليه رأي بعض المحللين السياسيين الغربيين. وعلى نحو غير مختلف مع تجربتها في لبنان، فأن ايران تسعى "(لتعبئة وتنظيم بعض الجماعات في العراق، في الوقت الذي لا تسعى لتوريط نفسها في صراع مسلح مع الولايات المتحدة الامريكية".4.أن الولايات المتحدة الامريكية التي اجتاحت العراق أثر تداعيات الحادي عشر من أيلول لا تفكر بالخطط التي من شأنها تعزيز وتقوية وضع ايران وأمنها، لأن الاخيرة تشكل واحدة من الاوليات الاساسية للسياسة الامريكية المتغيرة. ومع ذلك، فلو اخذنا بنظر الاعتبار تداعيات الشرق الاوسط ومفارقاته، فأننا لا نحتاج للعودة الى نقطة الصفر التي مفادها "أن كل ما يفيد ايران من شأنه أن يضر بالولايات المتحدة" .5.أن العراق الجديد الذي حتماً سيتعافى من جراحه يوماً ما، والخروج من ظلال الاجتياح الامريكي واحتلاله البغيض، سوف لن يكون مجتمعاً أكثر انسانية وديمقراطية من نظام الحكم السابق فحسب، وانما سيكون دولة اكثر ميلاً للسلام، وراغباً في العيش بوئام مع جيرانه الايرانيين بعيداً عن التدخل في الشؤون الداخلية، ليكون هذا التطور المستقبلي في صالح الشعبين العراقي والايراني ومصالحهما المشتركة، وسيصب ذلك حتماً في صالح الولايات المتحدة الامريكية ومصالحها ايضاً.6.أن العراق، اذا ما نجح في مسعاه التقاربي لجمع الايرانيين والامريكان ومنع صدامهما المسلح، وجعل لغة المصالح تتغلب على قعقعة السلاح فأنه سيدخل المرحلة القادمة، وهو اكثر قدرة على رسم سياسته الخارجية مع الجارة ايران، ويعزز علاقاته بها، وسينعكس ذلك حتماً على الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية والامنية بين البلدين، وسيحصد الشعبان العراقي والايراني ثمار هذه المرحلة ايجابياً، وستفتح آفاق جديدة للتعاون بينهما، وستطوى صفحات الخلاف والاحتراب والصدام المسلح التي حصدت نفوساً كثيرة، ونزفت فيها دماء غزيرة من الطرفين.
الكلمات المفتاحية: مستقبل، العلاقة العراقية، ايرانابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ
ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.
اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.