مقال أكاديمي محكم
هناك متغيران مترابطان أثرا على صيرورة استراتيجية عملية لبناء الدولة العراقية في فترة ما بعد سقوط النظام الديكتاتوري في التاسع من نيسان عام 2003، وهذان المتغيران هما: الأول الاحتلال والسجال بشأن انسحاب القوات الأجنبية. الثاني غياب استراتيجية واضحة لبناء لدولة العراقية الجديدة. وكلاهما اتكأ على الأخر، فالاحتلال طبق استراتيجية لا تتطابق بالضرورة مع المصالح العليا للبلاد في الظروف الجديدة، كما أن التواجد العسكري قد أطال فترة الانسحاب واتسع السجال بشأن أمده بسبب تضارب مصالح القوى المتنفذة وغياب استراتيجية واضحة لبناء دولة قادرة على الإيفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين عبر توفير الخدمات أو بناء قوات أمنية وعسكرية قادرة على درء وردع التهديدات المحيطة بالعراق سواء الداخلية أو الإقليمية. وكل منهما يبرر لنفسه العلاقة مع الأخر. وعلى ذلك يستهدف بحثنا بيان تلك الإشكالية (متغير الانسحاب ومتغير البناء للدولة العراقية) التي دخلت حلبة المساومات السياسية بين رؤيتين: الأولى ويعبر عنها مناصرو ومؤيدو استمرار التواجد الأمريكي ولو بأغلفة سياسية أخرى كالخبراء أو للتدريب وتحويل شكل ومحتوى الاتفاقية أو المعاهدة إلى تفاهمات ثنائية، كي لا تمر عبر مجلس النواب في العراق أو أروقة الكونغرس في الولايات المتحدة الأمريكية. في حين أن الرؤية الثانية ويعبر عنها المناهضون والمعارضون لبقاء تلك القوات. وفي جانب أخر يتم التساؤل عن دور العراق في الإدراك الاستراتيجي الأمريكي. وعلى أساس ذلك تم تقسيم البحث إلى ثلاثة أقسام، نعدها ضرورية ومهمة لفهم الموضوع. يتناول القسم الأول (الانسحاب الأمريكي من العراق) الفرصة الأولى، أما القسم الثاني فأفرد إلى (استراتيجية بناء الدولة العراقية) الفرصة الثانية وأخيراً خصص القسم الثالث للحديث عن (الإدراك الاستراتيجي الأمريكي لوظيفة العراق الإقليمية والدولية) الفرصة الثالثة. فيما يتعلق بالقسم الأول من البحث تناولنا (الانسحاب الأمريكي من العراق) والتجاذبات التي صنعها الاحتلال إزاءه بين من رآه نعمة إلهية، ومن رآه نقمة دمرت البلد، بين من حضر مؤتمرات لندن وواشنطن وصلاح الدين وبين من لم يحضرها وذلك لأسباب عديدة في مقدمتها الرؤية الوطنية، إلا أننا بين هذا وذاك نرى الانسحاب الفرصة الأولى لبناء دولة المؤسسات والاعتماد على الذات الوطنية العراقية والشعبية، وتعزيز التعددية السياسية والحزبية عبر قانون للأحزاب يكون ديمقراطياً في مضامينها العامة ويتيح الفرصة لجميع القوى والأحزاب الراغبة بالمشاركة في العملية السياسية وبناء العراق الجديد. وهذا طبعا، لايعني إلغاء أمكانية الاستفادة من الأصدقاء والحلفاء لمواجهة التهديدات أو مواجهة التحديات الآنية والمستقبلية. أما القسم الثاني فتناولنا فيه (استراتيجية بناء الدولة العراقية) ونعدها الفرصة الثانية الغائبة الحاضرة التي ينبغي الإعداد والاستعداد لها من خلال رؤية استراتيجية لعراق ما بعد الديكتاتورية والانسحاب النهائي للقوات الأجنبية من قبل الأحزاب والوى السياسية الوطنية، خاصة تلك التي قارعت الديكتاتورية. وضرورة توفر الحلول الناجعة لمواجهة المشاكل السياسية-الأمنية والاقتصادية-الاجتماعية الأساسية، والابتعاد عن الظواهر المدمرة: المحاصصة الطائفية والفساد المالي والإداري التي ساهمت في تعطيل بناء لدولة المدنية الديمقراطية العصرية وتأخرها، وإلغاء ظاهرة الميليشيات المسلحة الطاغية على المشهد السياسي والتي أفسدت الحياة السياسية في العراق، وكذلك عدم الشعور بالمسؤولية وغياب روح المواطنة لدى البعض، مما أدى إلى تشتت الولاءات الوطنية والركون إلى الهويات الفرعية، وضعف الأداء الوظيفي وغياب إستراتيجية خدمة الشعب على مستوى الوزارات مجالس المحافظات مما خلق من الإرباك في الأداء الوظيفي والمهني. وهي بالتأكيد الفرصة الثانية الذهبية لبناء العراق. وأخيراً تناولنا في القسم الثالث (الإدراك الاستراتيجي الأمريكي لوظيفة العراق الإقليمية والدولية)هو الفرصة الذهبية الثالثة لوضع العراق في مكانه الذي ينبغي أن يوضع فيه، على أن لا يظل حبيس لأهمية لثرواته النفطية ولا لموقعه الاستراتيجي، وإنما تقويم وتقوية الأداء الاستراتيجي للعراق في الداخل في محيطه الإقليمي والدولي، أن لا يكون العراق أداة لوظيفة إقليمية أو دولية، وإنما مفتاح للجذب الاستراتيجي لمكانته وأهميته كعنصر توازن واستقرار إقليمي ودولي، ومدخل من مداخل البناء الوظيفي في عصر التكتلات الاقتصادية الكبرى، وثورة المعلومات والاتصالات الهائلة. ولكي يصبح العراق رقما لا يمكن تجاهله من قبل جيرانه ومن قبل الدول التي تصنع القرار العالمي أو تساهم فيه، فأن الحاجة ملحة لايلاء الاهتمام الأكبر للتفكير الاستراتيجي وقدرة عالية من الدبلوماسية النشطة والكفؤة في إدارة سياسته الخارجية.
الكلمات المفتاحية: العراق، الانسحاب الامريكي، استراتيجية، بناء الدولة الجديدةابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ
ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.
اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.