ادعمنا

القومية - Nationalism

القومية، أيدلوجية تعني الولاء والإخلاص للأمة، والشعور بالوعي القومي، وتمجيد أمة واحدة فوق كل الآخرين، والتركيز بشكل أساسي على تعزيز ثقافتها ومصالحها بدلًا من الدول الأخرى أو المجموعات فوق الوطنية، أي وضع الوطن فوق كل شيء في العالم.

ويرجع مصدرها اللغوي إلى "قوم" وتعني جماعة بينهم روابط معينة، ومدلولها السياسي يرتبط بمفهوم الأمة، التي تعني الشعب ذو الهوية الخاصة التي تربطه روابط موضوعية وروحية متعددة، منها اللغة والتاريخ والعقيدة والمصلحة.

ويُوضح لفظِ «القومية» من خلال أولًا: موقف أعضاء أمة ما حين يهتمون بهويتهم كأعضاء لتلك الأمة، وهنا تثار إشكاليات حول مفهوم الوطن أو الهوية القومية، ومعنى الانتماء إلى الوطن، ثانيًا: الحراك الذي يتخذه أعضاء أمة ما في السعي لتحقيق أو الحفاظ على شكل ما من أشكال السيادة السياسية، وهنا تدور الأسئلة بخصوص ما إذا كانت السيادة تتطلب امتلاك كيان سياسي كامل مع سلطة كاملة على الشؤون الداخلية والخارجية، أو ما إذا كان امتلاك شيء أقل من هذا كافيًا.

وتُستعمل القومية أحيانا لدعم مبررات تمدد الدولة ولو كلف الأمر إشعال الحروب، وكذلك في اتباع سياسات العزل، ويبرز التوسع عند رفع شعارات الضم لكل أعضاء الأمة تحت دولة واحدة، وأحيانا تحت ذرائع المصالح القُطرية أو الموارد، أما فيما يخص الحفاظ على السيادة عبر السبل السلمية أو الإيديولوجية البحتة، فإن القومية السياسية تبقى على صلة وثيقة بالقومية الثقافية، حيث الحفاظ على الثقافة وتوارثها في أشكال محددة، ويتم ذلك عبر تكريس الإبداع الفني والتربية والبحث لهذا الغرض، وقد تكون الخصال الإثنو قومية حقيقية أو مختلقة في جزء منها أو كلها.

 

التطور التاريخي لمفهوم القومية

القومية في نسقها التاريخي تقدم أولوية لادعاءات الوطن على ادعاءات الولاء الفردي والسيادة الكاملة كهدف دائم لبرنامجها السياسي، وتُعتبر السيادة القُطرية حسب التقليد المعمول به عنصرًا محددًا لسلطة الدولة وأساسيًا للوطنية، ولقد حظيت القومية بالإشادة في الأعمال الكلاسيكية الحديثة كأعمال توماس هوبز وجون لوك وروسو، ومازالت تظهر في النقاش الدائر بالرغم من شك الفلاسفة فيها في العصر الحالي، فالقضايا التي تهم السيطرة على حراك المال والبشر، خاصة الهجرة والحقوق في الموارد المُتضمَّنة في السيادة القُطرية جعلت من الموضوع محورًا سياسيًا في عصر العولمة، ومسألة مثيرة فلسفيًا بالنسبة للداعين والمناهضين للقومية.

واستخدمت "القومية" تاريخياً، لتعريف وتفسير الحركات السياسية والعسكرية الراديكالية، في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية كوسيلة لتعزيز تفوق أمة معينة على كل دولة أخرى، وتركز القومية على ثقافة البلد ولغته وعرقه في كثير من الأحيان، كما قد يشمل الأدب، الفنون، والرياضة، وعادة ما تتحفظ البلدان أو القادة القوميين على المنظمات أو الجمعيات الدولية، ويحتفظون بنظرة متفوقة لأنفسهم على حساب الدول الأخرى، فلديهم وجهة نظر إيجابية لقهر الأمم الأخرى لأنها ترى نفسها على أنها الأمة النهائية، وأي أيديولوجيات تتعارض مع الأمة تعارض ذلك.

ويرى الوطنيون الدولة القُطرية، كوحدة سياسية، ملك لجماعة إثنية ثقافية بشكل مركزي، وجماعة مسؤولة بشكل فعال عن حماية وتثبيت تقاليدها، وتتجسد وجهة النظر هذه في القومية الكلاسيكية «الإحيائية» التي ازدهرت في القرن التاسع عشر في أوروبا وفي أمريكا اللاتينية.

واستخدمت القومية كطريقة شائعة لتعريف وتعزيز أمة لأول مرة في القرن الثامن عشر، على الرغم من أن الإمبراطورية الرومانية كانت لهما بعض الجوانب القومية، إلا أنهما كانا أكثر تفضيلاً لما يسمى "الدولة العالمية"، التي تمتد بين الأمم تحت راية واحدة، ومع ذلك، وبحلول القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، أشعلت الثورات الفرنسية والأمريكية عصراً جديداً من القومية التي عززت أمة موحدة في مصالحها السياسية والاقتصادية (الرأسمالية).

وفي عام 1750، كانت الإمبراطوريات الواسعة التي تضم العديد من الجنسيات، كالنمساوية والبريطانية والصينية والفرنسية والعثمانية والروسية والإسبانية، تتولى حكم معظم أنحاء العالم، ولكن بعد ذلك، أتت الثورة الأميركية عام 1775، والثورة الفرنسية عام 1789، وانتشرت القومية تدريجيًا في جميع أنحاء العالم، وعلى مدار القرنين التاليين، تفككت الإمبراطوريات واحدة تلو أخرى إلى عدد من الدول الأمم، وفي عام 1900، كان قرابة 35% من سكان الكرة الأرضية محكومًا من دولة قومية؛ وبحلول عام 1950، بلغت النسبة 70%.

وبينما كانت أوروبا في حالة حرب سياسية وأيديولوجية مع أمثال جان جاك روسو، ونابليون الذين شكلوا المثل القومية في فرنسا، وأوتو فون بسمارك لتوحيد ألمانيا في عام 1871، بدأت القومية تأخذ آثار أقوى، وإلى جانب الشعور القوي بالهوية الوطنية جاءت الأفكار الأكثر خطورة المتمثلة في التفوق العرقي والقومي، واستخدمت الأنظمة الفاشية مثل تلك التي كان عليها رئيس وزراء إيطاليا الأسبق بينيتو موسوليني، ومستشار الدولة الألماني زعيم الحزب النازي أدولف هتلر الاضطراب الاقتصادي والسياسي في أوائل القرن العشرين لإخضاع الفردية لاحتياجات الأمة من خلال العمل على أساس الهوية الوطنية والتقاليد، فاعتمد حزب هتلر على تفوق العرق الآري والتفوق الثقافي والفكري والعسكري المفترض للشعوب الألمانية على جميع الأمم الأخرى.

ومع سيطرة الدول القومية في أوروبا والولايات المتحدة، سعت النخبة في كافة أنحاء العالم إلى مضاهاة قوة الغرب الاقتصادية والعسكرية من خلال محاكاة نموذجها السياسي القومي، ولعل المثال الأكثر شهرة هو اليابان، حيث أطاحت مجموعة من النبلاء اليابانيين الشباب في عام 1868 بالأرستقراطية الإقطاعية، وهي القوة المركزية في عهد الإمبراطور، واستهلت برنامجًا طموحًا لتحويل اليابان إلى دولة قومية صناعية حديثة، وهو تطور يعرف باسم نهضة "ميجي"، وبعد جيل واحد فقط، تمكن اليابان من التصدي للقوة العسكرية الغربية في شرق آسيا.

ولعل انتشار القومية يعود إلى العلاقة التبادلية للشعب مع الحكومة باعتبارها أفضل من أي نموذج سابق؛ فبدلًا من ترتيب الحقوق تدريجيًا بناء على الوضع الاجتماعي، تعهدت القومية بالمساواة بين كل المواطنين أمام القانون، وعوضًا عن جعل القيادة السياسية حكراً على طبقة النبلاء، حيث فتحت المهن السياسية لعامة الشعب، كما أنها لم تترك توفير المرافق العامة للنقابات والقرى والمؤسسات الدينية، بل جلبت سلطة الدولة الحديثة لتعزيز الصالح العام، كما أنهت القومية ازدراء النخبة للعامة غير المثقفة، ورفعت مكانة عامة الناس بجعلهم مصدراً جديداً للسيادة وبنقل الثقافة الشعبية إلى مركز الكون الرمزي.

 

الفرق بين القومية ومصطلحات أخرى

القومية والوطنية

الوطنية - Patriotism، ليست هي نفسها القومية وإن تشابها، وإنما الوطنية هي مصطلح غامض لوصف الحب والتفاني لبلد ما، ومثله العليا وقيمها، أما القومية فهي أكثر تعزيز لثقافة الأمة، واللغة، والتفوق فوق الآخرين، وتميل إلى الإيحاء بوضع تلك الأمة فوق غيرها، وهو اتجاه ليس بالضرورة ضمنياً في الوطنية، وبهذا المعنى، غالباً ما تكون القومية عرقية، الأمر الذي قد تكون له آثار خطيرة، ورغم ارتباطهما بشكل وثيق، فكلتا الكلمتين تشيران إلى تمجيد الأمة ومشاعر التفوق الثقافي، ومع ذلك، فإن النزعة الوطنية، على عكس القومية، تعني دائماً العدوانية العسكرية.

القومية والقبلية

القبلية - Tribalism، تمثل الوعي القبلي والولاء، وخاصة تمجيد القبيلة فوق الجماعات الأخرى، والتي تشبه في طبيعتها القومية، ومع ذلك، هناك قدر كبير من التحديد في القبلية أكثر منه في القومية، حيث القومية محصورة بحدود البلدان أو اللغة أو غيرها من الأشياء مثل العرق، فإن القبلية يمكن تعريفها من خلال قضية مشتركة أو دين أو تقاليد مشتركة، ورغم الخلط بينهما إلا أن هناك فروقاً هامة، وهي حدود الأمة نفسها.

القومية والشعبوية

الشعبوية - Populism، تيار سياسي يقوم على "تقديس" الطبقات الشعبية في بلد ما، ويتبنى خطاباً سياسياً قائماً على معاداة مؤسسات نظامه السياسي ونخبه المجتمعية، ويستخدم السياسيون والأحزاب مفهوم الشعبوية لجذب الجماهير للوصول إلى السلطة والحفاظ عليها، وكانت بدايات الشعبوية مرتبطة بالتوجه السياسي الاشتراكي والمطالبة بحقوق الفلاحين، ثم تطورت إلى حركات اجتماعية سياسية ذات توجهات قومية ويمينية، ويركز الشعبويون على عواطف الناس وغرائزهم في كسب الشعبية، بإثارة موضوعات تتعلق بالسياسة الداخلية أو الخارجية ليركزوا انتباه المواطنين والرأي العالمي حولها كقضايا جوهرية وأساسية، بالرغم من أنهم لا يقدمون الأدلة والوقائع التي تثبت صحة أفكارهم.

كما أنهم يطرحون شعارات وينسونها ولا يطبقونها، لأن أملهم بالنسبة إليهم كسب معركة انتخابية مثلًا أو تجاوز أزمة سياسية واجتماعية تمر بها البلاد، ولذلك تقترن الشعبوية بالفوضى في الطرح، وتبرز بشكل خاص أثناء الأزمات والاضطرابات السياسية والكوارث التي تعصف بالمجتمعات، ومع أن الشعبوية ارتبطت في نشأتها بالتيارات اليسارية، أصبحت الآن تغزو اليمين واليسار الليبرالي الذي صار يشكل أكبر كتلة سياسية بالغرب.

القومية الاقتصادية - Economic Nationalism

يقصد بها مجموعة من الممارسات التي من شأنها أن تخلق وتدعم وتحمي الاقتصادات الوطنية في الأسواق العالمية، صعود القومية الاقتصادية في القرن العشرين نتاجاً للأزمات الاقتصادية والحركات القومية والدول الموسعة، خاصة بعد عام 1929، وأضفي عليها الطابع المؤسسي بعد عام 1945، ومع الأزمة المالية العالمية في عام 2008، حُذر من عودة النزعة القومية الاقتصادية، أي الحمائية، وعدم زيادة الحواجز أمام التجارة سعياً إلى تحقيق اقتصادات وطنية.

 

أنواع القومية

تستخدم التعريفات الذاتية للأمم لتصنيف أنواع مختلفة من القومية، وقد تتجلى النزعة القومية على أسس مدنية أو إثنية أو ثقافية أو دينية أو أيديولوجية، ولا تستبعد هذه الفئات بعضها، فالعديد من الحركات القومية تجمع بين بعض أو كل هذه العناصر بدرجات متفاوتة، ويمكن استعراض أنواع القومية، كالآتي:

  1. القومية العرقية أو إثنية -Ethnic Nationalism: وتعرف على أنها الأمة من حيث العرق والنسب من الأجيال السابقة، كما تتضمن فكرة ثقافة مشتركة بين أعضاء المجموعة، وعادة ما تكون لغة مشتركة.
  2. القومية المدنية- Civic Nationalism: وتستمد الدولة الشرعية السياسية من المشاركة النشطة لمواطنيها ومن الدرجة التي تمثل بها "إرادة الشعب".

  3. الدولة القومية - State Nationalism: ويفترض في هذا النوع أن تكون الأمة مجتمعاً لأولئك الذين يساهمون في الحفاظ على الدولة وقوتها، وأن الفرد موجود في المجتمع بشكل صريح للمساهمة في تحقيق هذا الهدف، وهذا غالبا ما ينتج في فاشية.

  4. القومية التوسعية -Expansionist Nationalism: شكل راديكالي من أشكال الإمبريالية (وليس القومية الحقيقية على الإطلاق)، ويتضمن مشاعر وطنية مستقلة مع الإيمان بالتوسعية، عادة عن طريق العدوان العسكري، على سبيل المثال النازية (أو الاشتراكية القومية) في ألمانيا.
  5. القومية الرومانسية - Romantic Nationalism: شكل من أشكال القومية العرقية التي تستمد فيها الدولة الشرعية السياسية كنتيجة طبيعية أو عضوية) وتعبير للأمة، وهو يعتمد على وجود ثقافة عرقية تاريخية تلبي المثل الأعلى الرومانسي (الفولكلور الذي تم تطويره كمفهوم قومي رومانسي).

  6. القومية الثقافية - Cultural Nationalism: وهنا تعرف الأمة من خلال الثقافة المشتركة، وليس المدنية البحتة ولا العرقية البحتة، وتعد القومية الصينية مثال على القومية الثقافية، حيث العديد من الأقليات القومية داخل الصين.

  7. قومية العالم الثالث - Third World Nationalism: وتنتج القومية هنا من مقاومة السيطرة الاستعمارية من أجل البقاء والاحتفاظ بهوية وطنية.

  8. القومية الليبرالية - Liberal Nationalism: الأفراد يُزعمون الاحتياج إلى هوية وطنية لكي يحيوا حياة ذات معنى ومستقلة، وأن الديمقراطيات الليبرالية تحتاج إلى الهوية الوطنية لكي تعمل بشكل صحيح.

  9. القومية الدينية- Religious Nationalism: وفيها يمكن النظر إلى الدين المشترك على أنه يساهم في الشعور بالوحدة الوطنية، ورابطة مشتركة بين مواطني الأمة.

  10. تعدد القوميات - Pan- Nationalism: حيث تنطبق تلك القومية العرقية أو الثقافية على أمة هي في حد ذاتها مجموعة من المجموعات والثقافات العرقية ذات الصلة مثل الشعوب التركية.

  11. قومية الشتات - Diaspora Nationalism: وهنا يوجد شعور قومي بين الشتات وهم السكان العرقيين الذين يعيشون خارج أوطانهم التقليدية.

  12. .قومية عديمي الجنسية - Stateless Nationalism: حيث تسعى أقلية عرقية أو ثقافية داخل دولة قومية إلى الاستقلال على أسس قومية (مثل الكاتالونيين والباسك في إسبانيا).

  13. المحافظة الوطنية- National Conservatism: مصطلح يستخدم في المقام الأول في أوروبا، لوصف متغير من النزعة المحافظة يركز على المصالح الوطنية أكثر من المحافظة القياسية، في حين لا يكون قوميًا بلا مبرر أو يسعى إلى أجندة يمينية متطرفة بشكل مفرط.

 

إشكالية القومية والهجرة

تأخذ القومية شكل معارضة قوية ضد الهجرة، خاصة في أوقات التراجع الاقتصادي، حيث تزيد القومية السامة التي يعيشها العالم، ويعتمد الخروج من هذه الدائرة على العمل بطريقة فعالة، للدفع بالنمو نحو الأمام.

وتساهم الهجرة بنسبة كبيرة في النمو الاقتصادي، كما أنها ضرورية في بعض البلدان لمعالجة الخلل في تركيبة السكان وارتفاع الشيخوخة وانخفاض معدلات الولادة، وارتفاع عدد المتقاعدين الذي لا يقابله نفس الارتفاع في فئة الشباب المحليين العاملين لدعم هذا التقاعد، فعلى سبيل المثال، بدأ سكان اليابان الذين بلغوا سن العمل بالانخفاض منذ 1995، وفي الاتحاد الأوروبي، شكل المهاجرون نسبة 70% من نمو اليد العاملة من عام 2000 إلى عام 2010، وفي الولايات المتحدة، تبقى الهجرة العامل الرئيسي وراء استمرار نمو اليد العاملة، ولو اعتمدت الولايات المتحدة على العمال الذين ولدوا في الولايات المتحدة الامريكية لتراجعت اليد العاملة لديها.

ونتيجة للبيئة العالمية من الاقتصاد داخل نظام العولمة، والحروب الأهلية وتغير المناخ زاد عدد المهاجرين من السكان، وهناك أعداد كبيرة من الناس على استعداد لمغادرة ديارهم للبقاء على قيد الحياة، بيد أن الهجرة السكانية الواسعة النطاق قد شكلت بالفعل تحديات خطيرة للسلام والأمن والتعاون الثنائي والمتعدد الأطراف في العديد من البلدان في معظم أنحاء العالم، وهناك عدد من البلدان التي تقيد الدخول القانوني إلى أراضيها؛ وبعضها يبني أسواراً من الأسلاك الشائكة على حدودها، وبعضها يستخدم القوات المسلحة لمقاومة تدفق المهاجرين، وقد أصبح الترحيل القسري ممارسة شائعة جداً في كل من البلدان المرتفعة الدخل والبلدان النامية.

وبصعود الشعبوية والقومية لم يدفع الدول إلى اتخاذ تدابير تقييدية ضد قبول المهاجرين فحسب، بل أدى أيضاً إلى توجيه الدولة إلى عدم الالتزام بقواعد ومعايير التعددية. وقد جلبت أزمة الهجرة في السنوات الأخيرة عددا من القيود على نظام شنغن في الاتحاد الأوروبي للسفر بدون جواز سفر، وهو أحد أهم إنجازات التعددية الأوروبية الناجحة، كما أدت النزعة القومية إلى تزايد الاستقطاب في القارات بشأن مسألة إعادة التوطين، لا سيما بين ألمانيا وأوروبا الوسطى والشرقية، وكما صوتت بريطانيا على مغادرة الاتحاد الأوروبي نتيجة للمشاعر المناهضة للهجرة على نطاق واسع، كأحد أسباب المصوتين، وكذلك اتخذت الهند السياسة السكانية غير المتجاوزة للقانون الدولي لترحيل مسلمي الروهينغا إلى ميانمار.

 

القومية السياسية في القرن 21

لم يفلت القرن الحادي والعشرون من القومية مع صعود "فلاديمير بوتين"، إلى السلطة في روسيا، و"دونالد ترامب" في أمريكا، وفي الهند انتخب "ناريندرا مودي"، الذي أعلن نفسه رئيساً للوزراء في عام 2014، بسبب المخاوف بشأن الرفاه الاقتصادي، وكذلك خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2016، وتخرج نهائيًا في 2020.

ويُستغل في هذا القرن كالقرن السابق المجال السياسي من خلال الشعارات القومية التي تعمل على الشعور الوطني مثل "جعل أمريكا العظمى مرة أخرى " و"أمريكا أولًا"، وليست أمريكا وحدها في هذا اللعبة، لكن قادة الدول الكبرى بما في ذلك الصين وروسيا.

وللقومية سمعة سيئة اليوم، في أذهان العديد من الغربيين فهي أيديولوجية خطرة، ويعترف البعض بفضائل الوطنية، التي تُفهم باعتبارها عاطفة الفرد تجاه وطنه، لكنهم في الوقت ذاته يرون أن القومية ذات أفق ضيق ولا أخلاقية، كما أنها تعزز الولاء الأعمى للدولة أكثر من الالتزام الأعمق بالعدالة والإنسانية، حيث في خطاب له في يناير 2019 أمام السلك الدبلوماسي لبلاده، أشار الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، إلى أن "القومية سم أيديولوجي".

لكن سعى الشعبويون في السنوات الأخيرة، في الغرب إلى عكس الهرمية الأخلاقية، وأكدوا التزامهم بالقومية، ووعدوا بالدفاع عن مصالح الأغلبية ضد الأقليات المهاجرة والنخب، أما نقادهم فيتمسكون في الوقت ذاته بالفصل بين القومية الخبيثة والوطنية النبيلة، كما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في نوفمبر 2019، في إشارة ضمنية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يصف نفسه بالقومي، بأن "القومية خيانة للوطنية".

عمومًا، نجحت القومية في الدول التي تحقق فيها الاتفاق الوطني بين الحكام والمحكومين، وأصبح السكان يعرّفون فكرة الأمة بوصفها أسرة ممتدة يدين أفرادها لبعضهم بالولاء والدعم، وفي الوقت الذي وضعت فيه القومية أسسا تراتبية جديدة للحقوق بين المواطنين وغيرهم، مالت إلى تعزيز المساواة داخل الأمة نفسها، حيث الديمقراطية، التي ازدهرت حيث استطاعت الهوية القومية أن تحل محل الهويات الأخرى، مثل تلك التي تركز على المجتمعات الدينية أو الإثنية أو القبلية. 

وكذلك ساعدت القومية على تأسيس دول الرفاه الحديثة؛ فقد أدى الشعور بالالتزام المتبادل والمصير السياسي المشترك إلى نشر فكرة أن أعضاء الأمة، حتى الغرباء تماما عن بعضهم بعضًا، يجب أن يدعموا بعضهم في أحلك الأوقات، وأسست أول دولة رفاه حديثة في ألمانيا خلال أواخر القرن التاسع عشر بإيعاز من المستشار المحافظ أوتو فون بسمارك، الذي اعتبرها وسيلة لضمان ولاء الطبقة العاملة للأمة الألمانية بدلا من البروليتاريا الدولية، لكن غالبية دول الرفاه في أوروبا كانت قد أُسست بعد فترات من الحماس القومي، معظمها بعد الحرب العالمية الثانية استجابة لنداءات التضامن الوطني في أعقاب المعاناة والتضحية المشتركة.

لكن هذا، لم ينجح في عدم شيطنة الآخرين، سواء كانوا أجانب أم أقليات محلية يُزعم عدم ولائها، فعلى الصعيد العالمي، زاد صعود القومية من وتيرة الحرب؛ إذ إنه على مدى القرنين الماضيين، حيث وُلد نحو ثُلث الدول المعاصرة في حرب قومية للاستقلال ضد الجيوش الإمبريالية، كما رافق تكوين دول قومية جديدة بعض من أكثر أحداث التاريخ عنفاً للتطهير العرقي، بشكل عام للأقليات التي اعتبرت غير مخلصة للأمة أو اشتبه في تعاونها مع الأعداء.

وخلال حربي البلقان التي سبقت الحرب العالمية الأولى، قسمت كلٌّ من بلغاريا واليونان وصربيا المستقلة حديثًا الأجزاء الأوروبية من الإمبراطورية العثمانية فيما بينها، وطردت ملايين المسلمين عبر الحدود الجديدة إلى بقية الإمبراطورية، وخلال الحرب العالمية الأولى، انخرطت الحكومة العثمانية في عمليات قتل جماعية للمدنيين الأرمن.

أما أثناء الحرب العالمية الثانية، أدى تحقير هتلر لليهود، الذين ألقى اللوم عليهم لصعود البلشفية، وبعد نهاية تلك الحرب، طرد ملايين المدنيين الألمان من دولتي تشيكوسلوفاكيا وبولندا اللتين أعيد بناؤهما، وفي عام 1947، قُتل عدد هائل من الهندوس والمسلمين في عنف طائفي عندما أصبحت الهند وباكستان دولتين مستقلتين.

 

المصادر والمراجع:

Merriam Webster, "Nationalism", last view 1/9/2020.

  Anne Sraders, What is Nationalism? Its History And What It Means in 2018, last view 1/9/2020.

Sam Pryke, Economic Nationalism: Theory, History and Prospects, last view 1/9/2020.

Philosophy, Types of Nationalism, last view 4/9/2020.

Ashok Swain, Increasing Migration Pressure   and Rising Nationalism:Implications  for Multilateralism and SDG Implementation, United Nations,Department of Economics and Social Affairs, June 2019, last view 4/9/2020.

د. عبد الوهاب الكيالي، وآخرون، الموسوعة السياسية، الجزء الرابع، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1985، ص 831.

  جيسن فورمان، القومية والهجرة.. كيف يؤثر المهاجرون في إنجاح الاقتصاد؟، متاح على:، آخر عرض: 4/9/2020.

شعوب العالم؟، آخر عرض: 1/9/2020.

محمود الحمزة، الشعبوية السياسية تجتاح العالم، جيرون، آخر عرض 4/9/2020.

د. ميستشافيك نيناد، فيلسوف كرواتي، ترجمة: منادي عبد الباسط، آخر عرض: 1/9/2020.

سارة المصري، مقال مترجم عن Foreign Affairs، لماذا تنجح القومية في كل 

 

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia