ادعمنا

الاستخبارات - Intelligence

يعرف مصطلح الاستخبارات في العلوم العسكرية بالمعلومات المتعلقة بعدو أو منطقة ما، أو يستخدم إشارةً إلى الوكالات التي تجمع مثل هذه المعلومات.

هذا ويعد فعل المخابرات العسكرية قديما قدم الحرب ذاتها، بل وحتى في زمن الرسل والأنبياء وجدت المخابرات العسكرية؛ إذ أرسل النبي موسى - عليه السلام - جواسيس على الكنعانيين، لمعايشتهم بغية معرفة عاداتهم ونقاط قوتهم وضعفهم، وفي العصر الحديث نجد الثورة الأمريكية؛ حيث اعتمد جورج واشنطن بشكل كبير على المعلومات التي قدمتها شبكة استخبارات كان مقرها في مدينة نيويورك، كذلك الأمر بالحرب العالمية الثانية؛ حيث تبيّن أن نقص المعلومات الاستخبارية أدى إلى تدمير الأسطول الأمريكي بالمحيط الهادئ في بيرل هاربور.

في وقتنا هذا، صارت أنظمة جمع المعلومات ومعالجتها تحت تصرف الدول؛ حيث تجمع هذه الأنظمة المعلومات الاستخبارية ومن ثم تنتجها بشكل أسرع وأكثر دقة من أي وقت مضى، هذا وتساعد الأقمار الصناعية والطائرات فائقة الحداثة والأنظمة الإلكترونية والمصادر البشرية والكاميرات وتقنيات التصوير والأجهزة الإلكترونية ومجموعة من الأنظمة الأخرى في تجميع تلك المعلومات على نطاق لم يسمع به في الماضي.

 

مستويات الاستخبارات:

يتم إجراء الاستخبارات على مستويين؛ مستوى استراتيجي ومستوى تكتيكي.

الاستخبارات الاستراتيجية هي تلك المعلومات اللازمة لصياغة السياسات والخطط العسكرية على مستوى السياسة الدولية والوطنية، أما الاستخبارات التكتيكية فتهدف في المقام الأول إلى الاستجابة لاحتياجات القادة العسكريين الميدانيين حتى يتمكنوا من التخطيط للعمليات القتالية وتنفيذها إذا استلزم الأمر ذلك. وجوهريًّا، تختلف الاستخبارات التكتيكية والاستخبارات الاستراتيجية في النطاق ووجهة النظر ومستوى التوظيف فقط.

هذا وتحاول المخابرات العسكرية سواء كانت تكتيكية أو اِستراتيجية الاستجابة أو تلبية احتياجات قائد العمليات؛ الشخص الذي يتعين عليه التصرف أو الرد على مجموعة معينة من الظروف، فتبدأ العملية بتحديد القائد للمعلومات المطلوبة للتصرف بمسؤولية، وتستخدم عدة مصطلحات عند مناقشة هذه المتطلبات، فعلى المستوى الوطني، يطلق عليها عادةً العناصر الأساسية للمعلومات، وتُعرف على أنها عناصر المعلومات الاستخبارية حول قوة أجنبية أو قوة مسلحة أو هدف أو وسط معين - والتي تعد حيوية للغاية - لاستطاعة اتخاذ القرار بدقة في الوقت المناسب،  وعلى المستوى التكتيكي تحدد الاحتياجات الاستخباراتية بطريقة مماثلة، وغالبًا ما تسمى متطلبات المعلومات؛ وهي عناصر المعلومات المتعلقة بالعدو وبيئته التي يجب جمعها ومعالجتها من أجل تلبية الاحتياجات الاستخباراتية للقائد العسكري.

 

مصادر الاستخبارات:

إنه لمن الضروري أن يعرف محلل الاستخبارات مصدر المعلومات، فبالاعتماد على طبيعة المشكلة، تكون بعض المصادر ذات قيمة كبيرة وبالتالي تعتبر عالية الجودة، في حين تكون مصادر أخرى داعمة وليست ضرورية على الرغم من مساهمتها في إنتاج المعلومات الاستخبارية.

فيما يلي المصادر الرئيسة للاستخبارات:

١- الصوتيات، أو السمعيات: تستمد من تحليل الموجات الصوتية التي تُبث إما عن قصد أو بغير قصد؛ ففي الاستخبارات البحرية يُكشف عن الموجات الصوتية تحت الماء من السفن السطحية والغواصات بواسطة موجات السونار، حيث تكون هذه المستشعرات دقيقة للغاية فتعد مصدرًا رئيسيًّا للمعلومات عن الغواصات في محيطات العالم.

٢- تقنيات التصوير: يتم الحصول على هذه المعلومات من تحليل جميع أنواع الصور بما في ذلك التصوير الفوتوغرافي والصور بالأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية كذلك؛ وفحص الصور، ويسمى أيضًا تفسير الصور، هو عملية تحديد موقع الأشياء والأنشطة والتضاريس التي تظهر على الصور والتعرف عليها وتعريفها ووصفها.

وتعد الصور المجمعة بواسطة الأقمار الصناعية والطائرات ذات الارتفاع العالي أحد أهم مصادر المعلومات الاستخبارية؛ إذ لا توفر معلومات لعدد كبير من فئات الاستخبارات وحسب (مثل ترتيب المعركة والعمليات العسكرية والتطورات العلمية والتقنية والاقتصاد)، بل لا يمكن الاستغناء عنها من أجل المراقبة الناجحة للالتزام بمعاهدات الحد من الأسلحة، هذا وقد سمحت معاهدة القوى النووية الوسيطة لعام 1987 للولايات المتحدة أن تطلب بشكل دوري من الاتحاد السوفيتي فتح مواقع معينة للصواريخ الباليستية العابرة للقارات حتى تتمكن الأقمار الصناعية الأمريكية - (المشار إليها باسم "الوسائل التقنية الوطنية“) - من التحقق من عدم احتواء المواقع على صواريخ متوسطة المدى، المحظورة بموجب المعاهدة.

وغالبًا ما تستطيع أجهزة التصوير التكتيكي بالأشعة تحت الحمراء تحديد الدبابات والدروع المموهة، وذلك لكون المواد المستخدمة لتغطيتها - كالأشجار والفروع والأوراق - غالبًا ما تسجل بصمات أشعة تحت الحمراء مختلفة عن أوراق الشجر المحيطة، فيمكن للأقمار الصناعية التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء تسجيل الحرارة من خلال السحب، وإنتاج صور لقوات العدو ومعداته وحركاته.

٣- الإشارات: تشمل الإشارات الاستخبارية المكتسبة من اعتراض ومعالجة وتحليل الاتصالات الكهربائية الأجنبية والإشارات الأخرى  (تسمى غالبًا SIGINT) ثلاثة عناصر هي: الاتصالات والإلكترونيات والقياس عن بعد.

٤- الاتصالات: يتم الحصول على معلومات الاتصالات من الاتصالات الخارجية التي تعترضها جهات أخرى غير المستلمين المقصودين، يمكن أن تكون مثل هذه الاستخبارات ذات قيمة كبيرة للقوات المقاتلة في أي دولة، وذلك لإتاحتها الاطلاع على استراتيجيات العدو ونقاط ضعفه ومواقفه،  فعلى سبيل المثال، قبل وخلال الحرب العالمية الثانية، سمح كسر البحرية الأمريكية للرمز الأرجواني الياباني للولايات المتحدة بمعرفة التحركات اليابانية مسبقًا، بل  وحتى أنها قدمت تحذيرًا من الهجوم على بيرل هاربور على الرغم من عدم إرسال هذه المعلومات الاستخبارية إلى هاواي بالسرعة الكافية لمنع الكارثة.

الاستخبارات الإلكترونية (وتسمى أيضًا ELINT)، هي معلومات تقنية ومعلومات استخبارية يُحصل عليها من الانبعاثات الكهرومغناطيسية الأجنبية التي لا تشعها معدات الاتصالات أو التفجيرات النووية والمصادر المشعة، حيث يستطيع محلل الاستخبارات في كثير من الأحيان تحديد الغرض من الجهاز من خلال تحليل الانبعاثات الإلكترونية من سلاح معين أو نظام إلكتروني.

استخبارات القياس عن بُعد، وهي معلومات تقنية مستمدة من اعتراض بيانات القياس عن بُعد الأجنبية ومعالجتها وتحليلها. فعلى سبيل المثال، من خلال اعتراض إشارات القياس عن بعد المنبعثة في أثناء الاختبارات الأجنبية للصواريخ الباليستية، يمكن لوكالة المخابرات حساب مدى ودقة وعدد الرؤوس الحربية للسلاح.

٥- الإشعاعات: لا يشمل مصدر الاستخبارات هذا الطاقة المنبعثة من التفجيرات النووية أو المصادر المشعة، ولكنه يتعلق بالانبعاثات غير المقصودة للطاقة من الأنظمة الإلكترونية (في حين يعتمد ELINT على الإشعاعات المقصودة من نفس الأنظمة)،  فقد تؤدي الحماية غير الكافية للأنظمة الإلكترونية أو اِتباع الإجراءات غير الصحيحة إلى انبعاثات طاقة غير مقصودة، والتي قد تكشف الكثير عن غرض النظام أو قدراته عند تحليلها.

٦- المواد الأجنبية: في عام 1976، طار ملازم من القوات الجوية السوفياتية بطائرة من نوع MiG-25 Foxbat إلى اليابان راغبًا في الوصول إلى الغرب، حيث كان التقنيون اليابانيون والأمريكيون يدققون في كل تفاصيل المقاتلة الأسرع من الصوت قبل إعادة تجميعها وتسليمها إلى أصحابها،  ويعد مثل هذا التحليل لنظام الأسلحة الأجنبية لا يقدر بثمن في إنتاج أنظمة لهزيمة تلك الأسلحة؛ إذ إن المعلومات الاستخبارية المستمدة من أي معدات أجنبية لها قيمة كبيرة في تقييم قدرات العدو.

٧- عملاء سريون: وغالبًا ما يسمى HUMINT، يوفر الناس الاستخبارات البشرية بدلاً من الوسائل التقنية وغالبًا ما يوفرها جواسيس وعملاء سريون،  وغالبًا ما يكون الجواسيس مصدرًا رئيسيًا للمعلومات حول القادة السياسيين للأمة واستراتيجياتها وقراراتها السياسية، فالعقيد السوفيتي أوليج بينكوفسكي، على سبيل المثال، كان مصدرًا مهمًا للغاية للاستخبارات البريطانية والأمريكية حتى تم القبض عليه وإعدامه في عام 1963؛ فقد تضمنت المعلومات السياسية والعلمية والتقنية التي قدمها بيانات حول قدرات الصواريخ السوفيتية متوسطة المدى خلال أزمة الصواريخ الكوبية. وعلى نفس النحو، فقد زودت حلقة التجسس المتكونة من فيلبي بورغيس ماكلين  والتي اخترقت أعلى دوائر وكالة المخابرات البريطانية MI-6 الاتحاد السوفياتي بقدر هائل من المعلومات حول العمليات العسكرية البريطانية والحلفاء وعمليات مكافحة التجسس في أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها، بينما في الولايات المتحدة، باعت عائلة ووكر تقارير سرية للاتحاد السوفياتي عن تعقب الغواصات والسفن السطحية السوفيتية، حيث كانت تعمل حلقة التجسس هذه من عام 1968 حتى فككت في عام 1985، بعد أن ألحقت أضرارًا لا يمكن إصلاحها بقدرات حرب الغواصات التابعة للبحرية الأمريكية.

 

أنواع الاستخبارات:

إنتاج المعلومات الاستخبارية في معظم الحالات يتطلب تقييم الأجزاء المتضاربة من المعلومات غير الكاملة، ومحاولة تحديد العناصر الصحيحة، ثم معالجة هذه العناصر الدقيقة وتجميعها في مستند كامل ومفهوم يستجيب لاحتياجات القائد، وفي كثير من الأحيان، يحتوي المنتج النهائي والذي يطلق عليه عادةً تقدير المعلومات الاستخبارية أو تقييم المعلومات الاستخبارية، على بعض المعلومات غير الصحيحة.

ومن أجل هيكلة هذا الإنتاج، يقسم المحللون الاستخبارات إلى أنواع، في حين أن جميع أنواع الاستخبارات ذات قيمة فقد يكون بعضها ذا قيمة أكبر من غيرها في أي موقف معين، وقد يكون أكثر دقة، وقد يوفر رؤية أكثر اكتمالاً للموقف، ومن خلال تقسيم الاستخبارات إلى أنواع يصل المحللون والقادة إلى فهم أفضل لقيمة ودقة جزء معين من المعلومات.

فيما يلي بعض أنواع الاستخبارات المهمة:

١- القوات المسلحة: تعد المعلومات عن القوات المسلحة للعدو المحتمل، كالأفراد والتدريب والمعدات والقواعد والقدرات ومستويات القوى العاملة والترتيب والاستعداد والعوامل الأخرى المتعلقة بالقوة والفعالية، أمراً بالغ الأهمية لأمة على وشك الدخول في حرب،  فإذا كان من الممكن استغلال نقاط ضعف العدو، قد يُكسب النزاع بسرعة أكبر وبخسائر أقل. فمثلًا عندما اقتربت نهاية الحرب العالمية الثانية وبسبب المعلومات الاستخبارية غير المكتملة كان من المتوقع أن تقاتل اليابان بحزم ضد الغزو الأمريكي بينما قد تعاني الولايات المتحدة من خسارة ما يناهز المليون ضحية،  فقد كان هذا عاملاً رئيسيًا في قرار إسقاط قنبلة ذرية على هيروشيما وناجازاكي، ولكن في واقع الأمر كان العزم الياباني مبالغًا فيه بشكل كبير وربما كان من الممكن غزو اليابان بعدد أقل بكثير من ضحايا الحلفاء.

٢- السير الذاتية: هي المعلومات التي تُجمع حول وجهات النظر والسمات والعادات والمهارات والأهمية والعلاقات والصحة والتاريخ المهني للقادة والأفراد المهمين للأمة؛ فتعد استخبارات السيرة الذاتية مهمة لأولئك الذين يجب أن يقرروا ما إذا كانوا سيدعمون زعيمًا أجنبيًا،  فعلى سبيل المثال، عندما تولى فيدل كاسترو السلطة لأول مرة في كوبا عام 1959، ادعى أنه قومي  وقد سُمح له بإجراء جولة محاضِرة في الولايات المتحدة،  وبعد ذلك كشف كاسترو أنه كان شيوعيًا يعتزم تحويل كوبا إلى دولة على النمط السوفيتي،  وربما كان من الممكن أن تكشف المعلومات الاستخبارية الأكثر دقة حول كاسترو نواياه بشكل أسرع، وكذلك كان من الممكن للسياسة الأمريكية الخارجية أن تُنقح وفقًا لذلك.

يشار في نفس السياق، إلى أن واحدة من أصعب المشاكل في العمليات السرية هي تقييم صحة الفرد الذي يتطوع بخدماته إلى منظمة استخباراتية ما، وذلك لأنه في أغلب الأحيان توفر المعلومات المتعلقة بالحياة الأسرية والتعليم والسفر والانتماءات المهنية والسياسية لمثل هذا الشخص نظرة ثاقبة عن دوافعه ويمكن أن تساعد في التحقق من مصداقيته.

٣- علم الخرائط: تعد المعلومات المستمدة من رسم الخرائط والرسوم البيانية أمرًا بالغ الأهمية لجميع العمليات العسكرية، مثال ذلك، اعتماد القوات البريطانية  في أثناء حرب جزر فوكلاند، على رسم الخرائط، حتى أنهم أجروا مقابلات مع معلمي المدارس والعلماء الذين غادروا الجزر مؤخرًا حتى يكون لديهم أدق المعلومات الممكنة عن حالة الطرق والبلدات والمرافق، فمهدت هذه المعلومات قوات الغزو لمواجهة العقبات التي تسببها التضاريس الوعرة والطرق السيئة، ونتيجة لذلك سار الغزو بشكل جيد.

٤- الاستخبارات الاقتصادية: تكون معلوماتها متعلقة بالإنتاج والتوزيع والاستهلاك للسلع والخدمات، بالإضافة إلى العمل والتمويل والضرائب والجوانب الأخرى لاقتصاد الدولة أو  لنظام الاقتصاد الدولي؛ حيث  تسمح الاستخبارات الاقتصادية للدولة بتقدير حجم التهديدات العسكرية المحتملة وهي أيضًا ذات قيمة في تقدير نوايا العدو المحتمل، هذا وتعد الاستخبارات الاقتصادية في زمن الحرب مؤشرًا رئيسيًا على قدرة العدو على الاستمرار في الحرب، ويعد هذا المؤشر مهما بشكل خاص عند تحليل الدول الصغيرة، مثل إسرائيل، حيث يتطلب الصراع من الدول التعبئة الكلية ولا يمكن أن تستمر لفترة طويلة دون خلق مشاكل اقتصادية حادة.

٥- الطاقة: تتناول استخبارات الطاقة على وجه التحديد موقع وحجم موارد الطاقة الأجنبية وكيفية استخدام هذه الموارد وتخصيصها وسياسات الحكومات الأجنبية وخططها وبرامجها حول الطاقة وتقنيات الطاقة الأجنبية الجديدة أو المحسّنة، والجوانب الاقتصادية والأمنية لإمداد الطاقة الأجنبية والطلب عليها وإنتاجها وتوزيعها واستخدامها.

ويمكن أن تكون متطلبات الطاقة عاملاً مهمًا في التخطيط العسكري. فعلى سبيل المثال، بينما كانت القوات الألمانية تتقدم على موسكو خلال الحرب العالمية الثانية وعند إبلاغ هتلر بأن الجيش الألماني يعاني من نقص الوقود، أرسل العديد من الوحدات المتجهة جنوبًا للاستيلاء على المجمعات النفطية في باكو ببحر قزوين؛ بما أدى  إلى استنزاف القوات التي تقدمت نحو موسكو لدرجة أنها فشلت في الاستيلاء على المدينة، مما تسبب في انتكاسة قاتلة للجهود الحربية الألمانية. وفي وقت لاحق، وعلى الجبهة الغربية، كانت قوات الحلفاء المتقدمة تعاني من نقص شديد في الوقود لدرجة أن الجيش الثالث للجنرال الأمريكي جورج باتون اضطر للتوقف وانتظار التجديد، فسمح هذا للألمان المنسحبين بالحفر وإطالة أمد الحرب.

٦- مكافحة التجسس: تهدف مكافحة التجسس إلى كشف التجسس وأنشطة المخابرات السرية الأخرى والتخريب والهجمات الإرهابية أو الاغتيالات التي تتم لصالح قوى أو منظمات أو أشخاص أجانب، كما تهدف للتصدي لها والوقاية منها،  ومن الضروري بشكل خاص أن تحدد الدول قدرات ونوايا المنظمات الدولية المعنية بالإرهاب؛ بحيث يمكن إحباط عملياتها، أو وفي حالة نجاح الهجوم الإرهابي، فإن تحديد الجاني يسمح بالأعمال الانتقامية، وهو أمر حاسم لمكافحة الإرهاب، إذ إنه  في ديسمبر 1988 دمرت طائرة تجارية أمريكية فوق سماء اسكتلندا ولم تتمكن الولايات المتحدة ولا بريطانيا العظمى مبدئيًا من تحديد المنظمة الإرهابية المتورطة،  ونتيجة لذلك كان العمل ناجحًا من وجهة نظر الإرهابيين الذين جرحوا عدوهم دون التعرض للانتقام.

٧- الجغرافيا: تشمل الاستخبارات الجغرافية العسكرية المجمعة من دراسة الخصائص الطبيعية بما في ذلك التضاريس والمناخ والموارد الطبيعية والنقل والحدود وتوزيع السكان، تقييم كل هذه العوامل التي تؤثر بأي شكل من الأشكال على العمليات العسكرية.

فقد كانت المعلومات الجغرافية حاسمة لنجاح مهمة الإنقاذ الإسرائيلية في مطار عنتيبي في أوغندا عام 1976، بحكم امتلاكهم معلومات موثوقة عن الموقع الدقيق للمباني في المطار والطرق المؤدية إلى عنتيبي والقواعد العسكرية في المنطقة، حيث تمكن الجنود الإسرائيليون من الهبوط في ثلاث طائرات نقل، وقتلوا العديد من الإرهابيين المحتجزين للرهائن الإسرائيليين، ومن ثم تمكنوا من المغادرة مع معظم الرهائن قبل أن يتمكن الجيش الأوغندي من الرد

مثال أخرى، كانت المعلومات الجغرافية إحدى العوامل المهمة في المحاولة الأمريكية الكارثية لإنقاذ رهائنها في إيران عام 1980؛ حيث الفشل في توقع العواصف الرملية الموسمية والاستعداد لها، والتي بسببها تعطلت العديد من طائرات الهليكوبتر وأجبرت رجال الإنقاذ على إلغاء مهمتهم.

٨- الطب: تجمع هذه الاستخبارات من دراسة كل جانب من جوانب البيئات الطبيعة  والاصطناعية الأجنبية التي يمكن أن تؤثر على صحة القوات العسكرية، ويمكن استخدام هذه المعلومات ليس فقط للتنبؤ بالضعف الطبي للعدو ولكن أيضًا لتزويد قوات الفرد بالحماية الطبية الكافية، فعلى سبيل المثال، في الحرب الأمريكية الإسبانية كان غالبية الضحايا الأمريكيين في منطقة البحر الكاريبي عن المرض بدلاً من القتال؛ إذ لم تكن القوات الأمريكية مستعدة للتعامل مع بيئة من تلك المنطقة.

٩- علم الاجتماع: تعد المعلومات المتعلقة بالتقسيم الطبقي الاجتماعي للأمة وأنظمة القيم والمعتقدات والخصائص الاجتماعية الأخرى ذات قيمة حاسمة في تقييم الدول مثل جنوب أفريقيا، والاتحاد السوفيتي، أو إسرائيل؛ حيث يمكن للفصائل القومية أو العرقية أو الاجتماعية أن يكون لها تأثير كبير على القدرة العسكرية لأي دولة.

فكان الافتقار إلى معلومات الاستخبارات الاجتماعية الجيدة سببًا رئيسيًا لأخطاء الولايات المتحدة الفادحة في التعامل مع إيران الثورية؛ فعند الإطاحة بمحمد رضا شاه بهلوي في سنة 1979 لم يكن لدى الولايات المتحدة سوى النظرة السطحية حول الإسلام والمجتمع الإيراني، ولم يتحسن الوضع إلا بشكل طفيف في السنوات اللاحقة، ونتيجة لذلك ظلت الولايات المتحدة في كثير من الأحيان تجهل المسؤولين الإيرانيين واصفة إياهم بـ "الراديكاليين" أو "المعتدلين"، فأدت هذه المصطلحات إلى تشويش الموقف أكثر من توضيحه.

١٠- وسائل النقل والاتصالات: يكون هذا النوع من الاستخبارات ضروريًا لتقييم قدرة الأمة على شن الحرب بشكل صحيح، حيث يتعلق الأمر بالطرق السيار والسكك الحديدية والممرات المائية الداخلية والطرق الجوية المدنية، بالإضافة إلى الهاتف والتلغراف وقدرات البث المدني، مثال ذلك عندما أرسلت الصين قوات عبر الحدود إلى فيتنام في عام 1979، اِفترض العديد من المراقبين أن الصين ستفوز في الصراع، وقد استند هذا التقدير إلى الحجم الهائل للجيش الصيني وعلى أدائه الممتاز ضد قوات الأمم المتحدة في الحرب الكورية، ولكن مع فشل الصين في تحقيق نصر حاسم، قام نفس المعلقين بفحص وسائل النقل في الصين وشبكات الاتصالات ووجدوا أنه على الرغم من أنها كانت متطورة للغاية في الشمال الشرقي، فإنها كانت بدائية تمامًا في الجنوب، وكخلاصة فإن الأنظمة الشمالية الشرقية المتقدمة والأنظمة الجنوبية البدائية كانتا من العوامل الرئيسية في نجاح الصين في كوريا وفي أدائها الباهت في فيتنام.

 

 

المصادر والمراجع:

Watson, B. W.. "Intelligence." Encyclopedia Britannica, February 29, 2012.

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia